Monday, June 20, 2011

العرض المسرحي السوري / فوتوكوبي

برزت واقعية العرض السوري(فوتوكوبي) منذ الوهلة الأولى للمشاهد، حيث أصر العرض على جعل الجمهور يتابع عرضا مسرحيا يلتمس مقوماته من واقع الحياة  وتحدياتها التي لا تنتهي. وهذا العرض  مأخوذ عن نص ( الطابعان) لموري شيزجال ومن إعداد وإخراج ماهر صليبي، وهذا العرض تحت رعاية مديرية المسارح والموسيقى بوزارة الثقافة السورية. ويستمد موضوعه  من رتابة الأنظمة الاقتصادية والسياسية في الوطن العربي، و كانت انطلاقته مع موجات الأثير المنبعثة من المذياع الذي كان يبث برنامجا عن مسيرة الأمة العربية من الشرق إلى الغرب.

إن المتابع للعرض يلامس شغف المخرج عن كيفية إخراج  النص على طريقة ( )، وهي طريقة تعتمد على تضخيم سلبيات الحياة المغرقة في الواقعية بأسلوب كوميدي لاذع.  وفي الوقت ذاته، يقدم العرض عددا من القيم والمبادئ مثل الإخلاص والوحدة والألم والحلم والسُلطة والاستبداد والغريزة والوهم والخيال ...ويسرد العرض يوميات موظفين؛ رجل وامرأة يعملان في إحدى الشركات التي تهمش الموظف وتحول حياته إلى آلة طابعة ...

وقادت العرض شخصيتان أساسيتان هما مروان و ليلى، ومنذ بداية العرض ظهرت الشخصيتان سطحيتين، ليس لهما أبعاد جانبية، عقب ذلك بدأت الأبعاد الأخرى التي تعبر عن  صراع الشخصيات مع ذاتها في الظهور، فعلى سبيل المثال تظهر المرأة في البداية فتاة بسيطة، ثم يبدأ العرض في التوغل في صميم حياتهما الشخصية، ليتضح لنا أنها تنتمي إلى أسرة كادحة تتكون من عدد كبير من الأخوة. تعيش أوهام الزواج من شخصية مرموقة، بينما العمر كان ينساب من يديها مثل الشلال، حيث وجدت نفسها وحيدة في نهاية المطاف حسبما يصور العرض.


 وبالمثل فإن العرض ينقلنا إلى التعرف على تفاصيل الحياة الشخصية للموظف(مروان)، حيث يتضح بأنه تزوج في عمر مبكر ولديه أبناء، وهو يعاني أزمات مالية متوالية، لأنه يتحمل مسئولية أسرة وفي نفس الوقت يكمل دراسته...وتظل الشخصيتان في التحول والتغير عبر محطات الحياة...إلى أن ينتهي العرض لنجدهما في آخر مراحل العمر. كما توجد هناك شخصية ثانوية، وهي  شخصية (الفراش ابو عبدو) الذي قطعت لسانه لكيلا يفشي بأسرار المدير...

وتمر لحظات العمر سريعا على الشخصيتين اللتين جمعتهما ظروف العمل، فنجد أن الرجل عاجز عن تحقيق طموحاته العملية وتعديل وضعه الاقتصادي والاجتماعي...في حين أن المرأة(ليلى) تظل تعاني وطأة الظروف الاجتماعية، لأنها أصبحت وحيدة، وقد تجاوز عمرها الأربعين عاما ...وفي النهاية يكتشفان أن حياتهما مجرد (فوتوكوبي)، أي نسخة من الآخر فحسب مع اختلاف بعض التفاصيل  الدقيقة عن الشخصيتين!

 وكعادة هذا النوع من المسرحيات فإنه يتعرض للعديد من القضايا، مثل كثرة الإنجاب وضعف الرواتب وعدم الاهتمام بالموارد البشرية في الدول النامية، بالإضافة إلى  التأخر التكنولوجي، فعلى سبيل المثال فأن الموظفين لا يحصلان على حاسب آلي، إلا بعد وصولهما إلى  سن متأخرة من العمر ....

وبالرغم من اعتماد العرض على ممثلين هما الفنانة والفنان اللذان امتازا بأدائهما المتميز، إلا أن العرض عاني في بعض مشاهده ضعفا في الإيقاع العام، بسبب اعتماده على السرد الحواري وتحول الصراع فيه إلى صراع داخلي، بينما في المشاهد الأخرى استطاع الممثلان إحداث نوع من التوازن من حيث الأداء والتعبير عن واقعهما الذي يعبر عن واقع المواطن العربي في الكثير من البلدان العربية التي تعاني من العشوائية في التخطيط وتقسيم الموارد الاقتصادية بشكل صحيح.

بالنسية للديكور الذي اعتمد عليه العرض مزج الديكور  بين الواقعية والرمزية حيث يجد المشاهد في بعض مواطنه يقترب من التصوير التجريدي المنفذ بطريقة سريالية، في حين في بعض جوانبه يكون واقعي حيث النوافذ والأبواب للدخول والخروج ..وإضاءة متعاقبة تصور توالي الأيام والسنين على حياة موظفين ظلا في الخدمة لمدة طويلة، كما ظلت الموسيقى متوالية ومتعاقية لترسم فصول عمر الشخصيات التي مضت رحلة العمر بها دون توقف.



No comments:

Post a Comment