Friday, August 26, 2011

الناقدة الفنية والإعلامية عزة القصابي لـ(شباب عمان)
الرقابة على الأعمال الفنية مهمة، ولكن ليست كافية لتصحيح مسارات العمل الدرامي
·        المسرح العماني لم يبرأ من العروض التجارية
·        الكثير من التحديات التي تواجه الفنان العماني مصدرها مادي
·        المراقب للعروض يجد دور المخرج ضائعًا في الأعمال المحلية
·        المسرح يحتاج إلى مختصين لإخراج سينوغرافيا جمالية ترقى بالعمل الفني
·        آن الأوان للمسرح العماني ليتخلص من أعمال تثقل كاهله بالديكور المنزلي
·        واقع المسرح يؤكد أن هناك اجتهادا لا بأس به و مطبات لابد من التخلص منها
·        أرجو من المخرجين العمانيين لا يخوضوا غمار تجربة، وهم لا يعرفون أسسها
·        الارتكاز على موضوعات مستوحاة من البيئة أو التراث، ليست سببًا في إضعاف النص
·        الرقابة على الأعمال الفنية مهمة، ولكنها ليست كافية لتصحيح مسارات العمل الدرامي
·        خروج فنان المسرح وهو لا يمتلك موهبة حقيقية إلى التليفزيون سيؤثر على مستوى الدراما التلفزيونية
·        هناك  من يفهم التجريب بأنه رفض قاطع لجميع أسس المسرح السابقة، وهذا غير صحيح.
·        ما شاهدته في السلطنة مع احترامي للجهود خلط كبير للمدارس الفنيةوسوء فهم لمعنى التجريب
·        الأعمال التلفزيونية بحاجة إلى ضخ مزيد من خريجي الدراما والعاملين أصحاب الخبرة في هذا المجال
·        المسرح معرض للاندثار أو الذوبان في فنون السينما والتليفزيون والبرامج السريعة

عزة القصابي ناقدة فنية وإعلامية وعضو اللجنة التنفيذية لتطوير الدراما والمسرح العماني الصادرة بمرسوم سلطاني؛ قدَّمت أكثر من 22 ورقة نقدية في المسرح والدراما التليفزيونية ونالت عضوية العديد من لجان التحكيم في المهرجانات المحلية وشاركت في تأليف وإخراج أكثر من 15عملا مسرحيًا وتليفزيونيًا، وتمّ تكريمها مرتين في (مهرجانرواد العرب) بالقاهرة ودمشق وتساهم في إثراء المشهد الثقافي بالسلطنة عبر الكتابة الناقدة والواعية في الصحف المحلية والعربية.. وقد التقيناها لألقاء الضوء على جانب يسير من إشكاليات المسرح والدراما العمانية.. ودار الحوار...

حاورها: ناصر أبو عون
** يشكل النص جوهر العمل المسرحي ولا يمكن لحرفيّة الفنان المتقنة أوحتى الرؤية الإخراجية المبدعة إنقاذ العمل إذا افتقد النص الجيد، وعلى مستوى الحركة المسرحية في عُمان هناك من يرى أنها تعاني من مشكلات في النصوص والافتقار إلى القصة والفكرة والتركيز على موضوعات مستوحاة من التاريخ والبيئة..أين يكمن جوهر الأزمة تحديدا؟
·       يُعد النص إحدى ركائز العمل الفني الثابتة، التي برغم محاولة التجارب الحديثة في عالم المسرح والدراما، التملص منها، ووصف الأعمال الدرامية التي تقتفي  أثر حرفية النص بأنها أعمال تقليدية. وفي الآونة الأخيرة، مالت معظم الأعمال الفنية إلى التركيز على الصورة، ولم تسلم الأعمال السينمائية والتليفزيونية من هذه الموجة، فقد غدت هناك مساحات واسعة من السيناريو، تركز على الصورة، أي تقوم بتوصيف الحدث بينما قل الحوار.
أما في عالم المسرح فقد ظهر مصطلح "الدراماتورج" وهو مصطلح جديد قديم، وهو الشخص المعني بتحليل النص ومعالجته لتقديمه على خشبة المسرح؛ وفي وطننا العربي يغيب "الدراماتورج" ويظهر المخرج المتعدد الأدوار، باستثناء بعض الدول العربية؛ وهذا بدوره أضعف العمل الفني، فهو يكون عادة خاضعًا للاجتهاد، بينما الاحتراف يكون غائبًا عنه، كما أن ذلك يتماثل بالطبع مع الراهن المسرحي العماني، الذي يتخبط في لجة من الاجتهادات، لأسباب كثيرة ...ولا اعتقد أن النص سببًا في ذلك، حيث يمكن للعاملين أن يستعينوا بنصوص خليجية وعربية.
وبرأيي بأن الارتكاز على موضوعات مستوحاة من البيئة أو التراث العماني، ليست السبب  الرئيسي في إضعاف النص... حيث إن  العمل الفني يقوم على الوحدة الفنية ابتداء من الممثل الجيد، القادر على استيعاب دوره بشكل صحيح، والذي يفترض أن يخوض دورات وحلقات تدريبية تمكنه من التعبير الجيد، أما بالنسبة للإخراج فهو أصعب الأعمال في العمل الفني، والذي يتطلب من المخرج أن يكون ملمًا بجميع العناصر الأخرى لكي يستطيع أن يبدع عملا فنيا مميزا.

** ألا تتفقين مع الرأي القائل بأن المخرجين العمانيين ينشغلون بالنص على حساب  الفضاء المسرحي ، وأثقلوا خشبة المسرح بكم هائل من قطع الديكور والإكسسوارات، في حين تخلصت المدارس الحديثة من الديكور الواقعي، ليصبح مخففا وتجريديا؟
·       يعتبر "الفضاء المسرحي" من أهم عناصر العرض المسرحي الجمالية، الذي يخاطب عقل ووجدان المتلقي، كما إنه وسيلة مهمة لإبراز الفعل الدرامي وأبطاله، وهناك كتاب رائع للدكتورة نهاد صليحة يتحدث عن "مساحات الضوء والظلام". ويصف الكتاب  للمخرج أبجديات استغلال الفضاء المسرحي. والمراقب للعروض المحلية يجد أن دور المخرج ضائعًا في الأعمال المسرحية المحلية؛ فنجد المخرج يريد أن يحشد عدد كبير من قطع الديكور على الخشبة، وهو لا يدرك أن كل  قطعة على المنصة ذات دلالة معينة.
ومن وجهة نظري، إنه آن الأوان للمسرح العماني أن يتخلص من الأعمال المسرحية التي تثقل كاهله بكم كبير من الديكور المنزلي، ويسعى إلى الاعتماد  على المختصين لإخراج سينوغرافيا جمالية ترقى بالعمل الفني.

** في ندوة بإمارة الشارقة قدمت ورقة تتضمن العديد من المقترحات لتطوير قطاع الفرق الأهلية للمسارح، لتأصيل هوية المسرح العماني فهل وجدت تلك المقترحات صدى مؤسسي يتفاعل معها؟ أم إنها فقط مجرد إلقاء حجر في بركة المسرح الراكدة؟

·       تعلم أن هناك فرق بين التنظير والتطبيق، وإن كان التطبيق يأتي بعد التنظير ليكون الوضع طبيعيا، لأنه بدون دراسة تظهر الأعمال الفنية بصورة اعتباطية، ويكون الاجتهاد طابعها، ولكن إذا تعمقنا في واقع المسرح في السلطنة، سنجد أن هناك اجتهادا لا بأس به، وفي المقابل هناك مطبات لابد من التخلص منها. وهي تحتاج إلى جهود كبيرة، تبدأ من الفنان نفسه، بحيث يكون لديه رغبة في التغيير من خلال السعي الدائم إلى صقل أدائه الذي يكون سببا في إظهاره بصورة تعسفية، يغيب الاحتراف عنها.
ويمكن أن نلاحظ ذلك لدى الجيل الثاني من الفنانين والصف الثاني منهم وبالطبع أن خروج فنان المسرح وهو لا يمتلك موهبة حقيقية إلى التليفزيون سيؤثر على مستوى الدراما التلفزيونية، فالكثير من الفنانين العمانيين من نراهم على شاشة القنوات الفضائية العمانية هم مسرحيين قبل ذلك.
أما الطرف الآخر المسئول عن ضعف الحركة المسرحية، فهي الجهات المعينة بالمسرح، فالكثير من التحديات التي تواجه الفنان العماني مصدرها مادي، وعدم استقراره، وإذا سألته لماذا لا توجد أعمال مسرحية هذه الأيام، سيقول بأنه أصلا           لا يوجد مسرح لكي نقدم عليه عرضا! باستثناء مسارح الكليات والجامعات التي غالبا ما تكون مزدحمة بالمؤتمرات والحفلات التي ترتبط بالمنهاج الدراسي لهذه المؤسسات التعليمية.

** ظهر شرخ في السنوات العشر الأخيرة بين النقد والممارسة المسرحية يندرج ضمن خانة ما يسميه هانس ليمان بـ(مسرح ما بعد الدراما) وهو يولَّد خطاب أزمة.. هل تؤيدينفي هذا الظرف الآنيّ المزيد من التعاضد والتآزر والتفاعل الإيجابي بين النص والناقد؟ أم إن الوضع يحتاج إلى مراجعة فكرية؟

·       أعتقد بأن الدراما شأنها شأن كافة الأشكال الفنية الأخرى التي تتأثر بالتيارات الفكرية والفلسفية التي يعج العالم بها، ومسرح ما بعد الدراما  أطلقه النقاد على مرحلة معينة من عمر الدراما، وهو مصطلح عليه إشكاليات كبيرة؛ ولكنه في الآونة الأخيرة بدأ يضمحل، في خضم التجارب المسرحية الحديثة، التي أصرت على تكسير القواعد الأرسطية، وابتكار أساليب جديدة تتناسب مع ثورة التقنية الرقمية التي غزت العالم. وأصبح المسرح معرضا للاندثار أو الذوبان في الفنون المرئية الأخرى كالسينما والتليفزيون والبرامج السريعة.


** في العالم العربي باستثناء سلطنة عمان هناك تجارب مريرةمن المسرح الاستهلاكي المعروف بالتجاري هبطت بمستواها نحو  فكرة (الجمهور عاوز كده) جاعلة الربح المادي هدفها الأساس، وهي برغم إنها حققت استقلالها المادي فعلا، إلا أنها أساءت للمسرح ولرسالته الأخلاقية والتربوية والجمالية.. لماذا لم تنجر الساحة المسرحية العمانية نحو هذا التوجه كغيرها من بلدان الوطن العربي؟

·       وأنا أجيب على سؤالك من حيث انتهيت، للتأكيد بأن المسرح العماني لم يبرأ من العروض التجارية، فهناك عروض محلية بدأت تماشي الشارع وتتوافق مع توجهات الجمهور كما هو الحال في المهرجانات التجارية والسياحية، إضافة إلى تأثر  المسلسلات التليفزيونية المعروضة بموجة الأعمال الدرامية التجارية التي البعض منها يعرض على القنوات العمانية حاليا.

** قال المخرج جلال الشرقاوي، خلال ندوة "المسرح والثورة" التي أقامتها الهيئة المصرية العامة للكتابإن الخطيئة الكبرى لوزارة الثقافة كانت فيما يسمى بالمسرح التجريبى والتجريب مطلوب وكان هدفه القضاء على مسرح (الكلمة) الذى يظهر مشاكل المجتمع ويعرى الفساد ويبين علاقة الحاكم بالمحكوم.. ما النصيحة التي توجهينها لشباب المسرحيين حتى لا يغرقوا في التجريب ويتخلون عن مسرح الكلمة؟

·       هناك خلط كبير بين كلمة التجريب والعروض المسرحية الحديثة التي تسخر وسائل التكنولوجيا في إبراز قضية ما، أما التجريب في المسرح فهو موجود منذ قيام أصحاب الكلاسيكية الحديثة بتحرير المسرح من القواعد الأرسطية. والحاصل اليوم بأن هناك  من يفهم التجريب بأنه رفض قاطع لجميع أسس المسرح السابقة، وهذا غير صحيح؛ ويمكن أن نشاهد عروضا مسرحية رائعة تعتمد على الصورة بشكل كبير، في حين تكون هناك عروض تعتمد على النص الحواري وتكون مملة ورتيبة ولا تضيف جديد.
وما شاهدته في السلطنة مع احترامي للجهود المبذولة، هو خلط كبير للمدارس الفنية، وسوء فهم لمعنى التجريب، لأن التجريب أو العروض الحديثة تحتاج إلى مخرج متمكن جيدا؛ وشاهدت الكثير من العروض المسرحية الحديثة لأكثر من دولة عربية وأجنبية، ووجدتها تقدم عروضا يمكن أن نطلق عليها سمة التجريب المدروس الذي يقدم عروض راقية تسمو بذائقة الجمهور.
 وبالطبع أرجو من المخرجين العمانيين لا يخوضوا غمار تجربة، وهم لا يعرفون أسسها؛ ويفضل أن نكتفي بالعروض التي تركز على الحوار؛ نظرا لغياب الاحتراف عن الساحة الفنية المحلية.
** مازالت الدراما العمانية تراوح مكانها وحبيسة المربع الأول رغم ما حققته من نجاحات في أعمال إذاعية وتلفزيونية ومسرحية عديدة، (قراءة في دفتر منسي) ومسلسلات(سعيد وسعيدة)،(وتبقى الأرض)وغيرها، فإنها ما زالت تتطلع إلى آفاق أفضل من التطوير لنقلها من المحلية إلى الإقليمية أملا في الوصول إلى العالمية... سؤال (فانتازي) متى تتوقعين  أن تحدث تلك الانتقالة؟

لا شيء يحدث من الفراغ، فإذا حدثت نقلة في مجال الدراما، فإنها لابد أن تكون تراكمية ومبينة على أسس صحيحة، وفي تقديري  أن الأعمال التلفزيونية بحاجة إلى ضخ مزيد من خريجي الدراما والعاملين أصحاب الخبرة في هذا المجال، فالفن ليس مهنة من لا مهنة له. ومن المهم إلا  نتركه لعبة في أيدي رجال الأعمال الذين يمتلكون المال ولكن يغيب الحس الدرامي عنهم، كما هو الحاصل في المواد الفنية التي تبث عبر القنوات التليفزيونية؛ فالمنتج صاحب رأس المال يضع الهدف المادي أو التسويق في المقدمة؛ لذا يقدم عملا سريعا؛ بالطبع هذا يؤثر على رأي الجمهور، ويتعرض العمل للنقد اللاذع بعد ذلك.

** يلخص البعض إشكاليات الدراما العمانية في تعدد اللهجات المحلية داخل العمل الواحد موسمية الإنتاج أي أن المسلسلات ينتج أغلبها فيرمضان، عدم واقعية الصورة وبالتالي افتقادها القدرة على التأثيرفي المشاهد وفشلها في إقناعه بالمتابعة سواء كانت هذه الصورة تركز علىالجانب الاجتماعي أو التراثي أو التاريخي؟ أين تضع عزة القصابي خطوطها الحمراء لتشخيص المشكلة على نحو صائب وواقعي؟
·       لا أعتقد أن تعدد اللهجات المحلية هو المشكلة؛ ولكن المشكلة في اللهجات الدخيلة على اللهجة العمانية والمصطنعة، بحجة أن لهجتنا العمانية ركيكة ونخجل منها أمام الآخر؛ ويمكن اعتبار هذا مركب نقص في الممثل الذي يستعرض قضية محلية ثم نجد لسانه يلتوي ويتكلم بلهجة أخرى.
وفي تقديري، تكمن إشكالية الدراما التلفزيونية في طرح قضايا حقيقية يعاني المجتمع منها، ولكي يكون الطرح صحيحا، فإنه لابد من وجود ممثلين أكفاء، فليس أي عمل يمكن أن نأتي بخليط عجيب من الممثلين والممثلات لنقدم مثلا مسلسلا تلفزيونيا يبث في رمضان، نظرا لأن الغالبية العظمى من الجمهور العربي والمحلي يتابعون الشاشة بشكل مكثف خلال هذه الفترة، أما بقية الأيام فالناس تكون مشغولة باستثناء ربات البيوت.
لذا فإنه في  الأعمال الموسمية لابد من التركيز فيها، وأن نعمل بجد  واجتهاد إبداعي لإخراجها بالشكل المرضي، واعتقد أن الرقابة على الأعمال الفنية مهمة، ولكنها ليست كافية لتصحيح مسارات العمل الدرامي الذي يحتاج إلى عين المختص الدرامي بشكل كبير، ويحتاج إلى جهد إخراجي كبير.
كما أن الكاتب العماني بحاجة إلى التخلص من القيود الرقابية الكثيرة التي تثقل كاهله،  وتحد من التعبير عن قضايا مجتمعة، فهناك شفافية في استعراض الأحداث  المعاصرة عبر وسائل الاتصال الحديثة في مقدمتها الفضائيات والانترنت، فلماذا لا يكون هناك مرونة من قبل الرقيب؟ وأتمنى أن تخضع الأعمال الفنية بشكل كبير للمعالجات الدرامية التي تقوي العمل، واعتقد بأن الكاتب العماني لديه رقابة ذاتية هو مسئول عنها، وهو ابن هذا المجتمع ويعي ما له وما عليه.

Wednesday, July 27, 2011

عندما يكون " الوقار" عيبًا!

من المثير أن نتابع عرضًا يكشف العلاقات الاجتماعية في المجتمع الخليجي من خلال  تسليط الضوء على  عقوق  الأبناء وتنكرهم  من مسؤولية الاهتمام بوالديهم في كبرهما، ثم يأتي "الحفيد" ليقوم بأداء الواجب الذي تجاهله "الأب" نحو والديه!.. هذا ما حصل في العرض الإماراتي(عار الوقار) لفرقة مسرح دبا الحصن بالتعاون مع مجموعة مسارح الشارقة، وهو من تأليف وإخراج الفنان عبدالله زيد.

طرح عرض مسرحية (عار الوقار) الإماراتي قضية اجتماعية غاية في الأهمية من خلال سرد قصة الابن العائق لأبيه، في حين كان الحفيد بارًا بجده، عكس أبيه الذي ألهته مشاغل الحياة!...واستطاع المؤلف والمخرج عبد الله زيد أن يوظف هذه المفارقة في ثنايا العرض المسرحي، الذي انتقد بعض الأوضاع التي تعيشها الأسرة الخليجية في ضوء المتغيرات المعاصرة، بغية تعريف المشاهد بحقيقة ما يدور حوله من متغيرات أثرت على الفرد والمجتمع، نتيجة الطفرة البترولية عقب السبعينيات القرن المنصرم.

حرص المخرج زيد على تطويق العرض بروح الواقع الخليجي، وجعل شخصية "الجد"  التي تمثل الماضي، تعيش في منزل (أثري قديم) رصد في أدق تفاصيله ذكرياته وآهاته وأحلامه التي ضاعت بموت زوجته، وخروج أبنائه بعد زواجهم واستقلالهم بعيدا عنه. ونتيجة لذلك، عاش الأب الكبير السن المشلول صراعًا مع العزلة القسرية التي فرضت عليه، ولم يجد من يؤنسه سوى الاستماع إلى المذياع، الذي  كان بمثابة قناة الاتصال ما  يدور حوله، لذا نجده يخاطب الجدران كما لا يجد حرجًا في التحدث مع نفسه!

وهذا ما  جعل "الجدران"  في هذا العرض بمثابة الحاجز الذي رسمه المخرج والمؤلف، بغية محاصرة  شخصيتي "الجد ،الحفيد"  ضمن نطاق زماني ومكاني واحد....وهذا أكد فكرة أن التطور الذي لحق بالمجتمعات الخليجية، كان سببًا في إيجاد  فجوة حقيقية، حالت دون التواصل بين الأجيال المختلفة.

أن المتابع  لسيمياء العرض(عار الوقار) بما فيها من كلمات وصور وأصوات وإيماءات وأشياء مادية ظاهرة على الركح، يدرك بأنه أمام عرض يتضمن أيقونات ودلالات ثرية، جعلت من موضوعه مثارًا للجدل والنقاش...فمنذ البداية يظهر "الديكور" التراثي المستوحى من البيئة المحلية؛ ويمكن أن نلمس ذلك من خلال الحصير، الوسادة، المروحة اليدوية والفراش ...كما أن العرض لم يغفل "البيئة الساحلية" التي غالبًا ما تؤطر الأعمال الدرامية الخليجية، والتي تشكل البيئة الأصيلة التي لازمت الإنسان في حله وترحاله، فنجد هناك شباك الصيد"الليخ" التي كانت يستخدمها "الجد" في رحلاته البحرية، والتي حملت معها ذكريات الإبحار والصبا والأصحاب الذين فقدهم الجد واحد تلو الآخر.

واستطاع الفنان عبدالله زيد الذي قام بدور الجد أن يشعرنا بواقع الأب الأليم الذي خذله أبنائه، ويشاء القدر أن يجمعه بأحد أحفاده بعد ذلك، وقام بدور الحفيد الفنان الصغير أحمد الجرن ، الذي كان يتمتع بموهبة استثنائية، جعلت المتابعين للعرض ينبهرون  بقدراته التي يمتلكها، والتي جعلته في مصاف الفنانين المحترفين، وهو لا يزال طفلا صغيرًا  لم يتجاوز عشر سنين!

كما أصر مؤلف ومخرج العمل على تضخيم معاناة الشخصيات وجعل الجمهور يتعاطف معها، وخاصة عندما جعل (الجد ،الابن ) يكونان رهيني المحبسين؛ الجدران والتفكك الأسري وعقوق الوالدين...وفي البداية يكون الحصار  على الشخصيتين نفسيًّا ، حيث يشعر الجد بأنه سجين الجدران فلا احد يذكره، بينما الابن يشعر بنفس الإحساس  فوالده مشغول جدًا وغائب عنه معظم الوقت، رغم أنه لم يقصر ماديًّا معه.

     برزت "الرؤية الإخراجية"  للمخرج المؤلف في أكثر من موقف درامي، مما جعل المشاهد يشعر بأن منزل الجد عبارة عن "معمل مسرحي" اشتغل المخرج فيه على حلقات ودوائر متعددة منها على مستوى الحدث الدرامي الذي كان يصدم المشاهد بحقيقة  ما يدور  حوله من أحداث خارجية. ومنها على  مستوى الصراع فقد كان عبارة عن صراع فكري وقيمي(أيديولوجي)، أكد  فكرة بهتان وضياع القيم الأصيلة التي كان يتمتع المجتمع الخليجي  فيها، والتي قاربت على الاندثار!

 أما على مستوى التمثيل، فقد استطاع  الطفل الموهبة أحمد  الجرن أن يفرض حضورًا ارتقى بمستوى العرض المقدم، ولم يفلت الإيقاع العام منه رغم صغر سنه...كذلك برزت مقدرة المخرج زيد في تقسيم خشبة المسرح إلى عدة مستويات؛ المستوى الأيمن، حيث الجد في وضعه الواقعي ولقائه بالحفيد في بداية العرض، واتسام الحدث  بنوع من الكوميديا الخفيفة التي تدرجت عبر الفصول المتعاقبة، لتصبح  بسبب الأحداث المبكية المضحكة في النهاية قاتمة  أقرب إلى الكوميديا السوداء.... فيما شكل الجانب الأيسر في بدايته "الماضي" الذي ينقلنا إلى عالم شباك الصيد والسفن والصيادين، وكل ما يتعلق بذكريات الجد القديمة التي تربطه بأيام الصبا...فيما شكل أقصى اليسار من خشبة المسرح، حصارًا حقيقيًّا حد من حرية الشخصيات من خلال "الباب" الذي ظل موصدًا طيلة العرض، نتيجة ضياع المفاتيح، التي ضاعت معها  أحلام العجوز والطفل...حيث كان الجميع ينتظر الخلاص....ولكن ساعة الزمن أعلنت انتهاء عمر الجد، بينما حفيده لم  يستطع مساعدته في ظل غياب الأب وانشغاله عن أبيه المشلول!

هكذا أصبح حال الواقع  المعاصر الذي ضاعت عنه  مفاتيح السعادة  بضياع المبادئ والقيم بين الناس ، وأصبحت العلاقات الاجتماعية مبنية على المصالح الذاتية للأفراد...ولم نعد خير خلف لخير سلف للأسف!





Wednesday, July 20, 2011

المشاركة في مهرجان الابداع المسرحي الثالث


ضمن إطار إستعدادات جماعة المسرح لمهرجان الابداع المسرحي الثالث قد تأكد حضور الناقدة المسرحي أ.عزة القصابي
في المهرجان لتكون أحد أعضاء لجنة التحكيم علما بأن الاستاذة لها خبرة طويلة الباع في مجال المسرح ودائما ما يتم
إستدعائها لمهرجانات مسرحية على مستوى دولي مثل مهرجان قرطاج المسرحي ومهرجان القاهرة للمسرح التجريبي
وتعدكم جماعة المسرح بأن المفأجآت القادمة ستكون أعظم بإذن الله..

سهرة الخور" في دوامة شائعات الأنواء المناخية

ضمن مجموعة السهرات التليفزيونية التي ينتجها تلفزيون سلطنة عمان عبر منتج منفذ ، ينتهي مخرج سهرة "الخور" منصور الرئيسي قريبا من عملية المونتاج للسهرة للمنتج المنفذ الجمعية العمانية للسينما ومن تأليف عزة القصابية.
 
وتطرح قصة السهرة جانبا من تأثير الشائعات في المجتمع وتأثيرها في حياة الناس من خلال شخصية لها نفوذ وسلطة تسكن في احدى القرى الساحلية تقوم بالترويج لشائعات عن تقلبات مناخية استثنائية مما يدفع الناس للتكالب على شراء احتياجاتهم الغذائية الأساسية فيقوم التاجر برفع الأسعار واستغلال الناس وخاصة في ظل جهل كثير منهم بالإضافة إلى أنه يقوم بأعمال غير مشروعة فيتصدى له رجال يحاولون كشف حقيقته أمام الملأ.
 
يذكر أن عدد السهرات المنتظر عرضها خلال شهر رمضان المقبل تبلغ خمس عشرة سهرة.
وقام ببطولة السهرة كل من الفنانة شمعة محمد والفنان خليل السناني ووفاء البلوشية وخالد الحديد وتمثيل جمال الأبروي وجابر السلطي وقيس الكندي ودرويش المبسلي وشيخة الحبسية ولجين المنجي وعبدالله العبيداني.

مسرحية "السجون".. حين يكون التجريب وسيلة لطرح القضايا القومية

كدأب المخرجة الأردنية مجد القصص، فإنها عادة ما تحرص على كسر النمطية المعروفة في عالم المسرح العربي الحديث، لذا كان التجريب راهنها الأول، والقضايا القومية العربية التي تحاصر الإنسان العربي عنوانا لعروضها. وجاء (سجون) بعد أربعين عرضًا مسرحيًّا سابقًا قدمتها المخرجة قبل ذلك، بغية التأكيد على مقدرة المسرح العربي على استيعاب قضاياه القومية التي تعسر ميلادها على أيدي رموزه السياسية.

وبدت معادلة التجريب في التعبير عن الموضوع، معادلة صعبة، خاصة في ضوء افتراض مجموعة من السجون التي تحد من حرية الإنسان العربي، ابتداء من لحظة ميلاده إلى آخر لحظة من عمره، لذا فهو أصبح أسيرا لأنظمة سياسية واجتماعية وأيديولوجية ودينية، حاول العرض تجسديها بأداء استعراضي حركي، يُبرِز الممثل بالدرجة الأولى و يُقِدم الإنسان العربي المحاصر بالكثير من الأنظمة القسرية التي تحيط به وتشل حركته. كما أنه يبحث عن قضاياه التي تؤرقه، لذا كان الرهان على فك شيفرات السجون التي تقمع حريته.. والغريب في الأمر أن تلك القيود والسجون موجودة وثابتة، ولكنها لا تتغير بمفاهيم الحريات التي تنادي المجتمعات الرأسمالية.


ولقد غاب الأداء التمثيلي بمفهومه التقليدي عن العرض، ليحل محله الأداء الاستعراضي التعبيري، والذي تُمثل الحركة والاستعراض السريع أهم ملامحه العامة، حيث تمتع الممثلون بلياقة عالية، مكنتهم من الحركة السريعة، والتعبير عن الذات البشرية وما تعانيه من آلام نفسية، نتيجة الصراع الداخلي الذي تعيشه شخصيات العرض.
فيما تمتع العرض بسينوغرافيا جمالية تتلاءم مع الاستعراض الحركي للممثلين، والذين جاء تعبيرهم أقرب إلى الأداء الاوبرالي في بعض المواقف، كما قامت الموسيقى بتضخيم الحدث الدرامي من خلال تصعيد الإيقاع العام فيه، وجعل هناك نوعا من الوحدة الجمالية مع بقية عناصر العرض الأخرى، الأمر الذي ساعد على إشعال جذوة الحدث الدرامي، وعدم ترك فرصة للمشاهد للابتعاد عن خشبة المسرح.
ما ركزت المخرجة على الإضاءة لتصعيد الحالات النفسية لدى الشخوص، وخاصة في الشخصيات التي تشعر بأنها في مأزق حقيقي، وتحاول البحث عن المفتاح السحري الذي يحمله بطل العرض، والذي قام بتأديته السجان بجدارة، واستطاع أن يحاصر الشخصيات ويجعلها خاضعة لتصوره ورؤاه وتوجهاته الأيديولوجية.


كما تضمن العرض إشارة واضحة إلى مجموعة من السجون والقيود السائدة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم تكنولوجية؛ الانترنت والحاسوب ومجموعة من الأنظمة الالكترونية، التي برغم صعوبة تجسيدها على الخشبة، إلا ان المخرجة استطاعت أن توظف الإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية لصنع رؤية بصرية. كما أشار العرض إلى السجون الناتجة عن وسائل الاتصال والقنوات الإعلامية الأخرى، كالفضائيات التي سعت إلى عولمة العالم العربي، وحولته إلى واقع استهلاكي خاضع لتوجهات اقتصادية معينة.

ومن ناحية أخرى، ساهمت الأزياء الحديثة التي ارتادها الممثلون في تجسيد واقع الشخصيات بشكل جمالي وأدائي، انسجمت مع بقية مكونات العرض الأخرى، وساعدت على تضخيم الحالة النفسية وتصعيد الإيقاع العام للعرض. جميع ذلك أعطى العرض سمة فلسفية معاصرة، لم تستطع العروض الاستعراضية الأخرى تحقيقها، نتيجة تركيزها على الجانب الاستعراضي، وأغفلت الجانب القومي.