Tuesday, June 21, 2011

بلا عنوان... عرض يختزل تاريخ القدس

       في أمسية من ليالي أيام قرطاج المسرحية في الدورة  الرابعة عشرة، أصر العرض الأردني(بلا عنوان) لفرقة المسرح الحديث، وهو من  تأليف مفلح عدوان ومن إخراج مجد القصص، على أن  يختزل تاريخ  "القضية الفلسطينية"  قرابة الساعة! ..
واعتمد العرض على الأداء الاستعراضي الراقص أو " الأداء الكويغرافي"  الذي يوظف  الجسد كوسيلة أساسية للتعبير عن الموضوع في تسع لوحات تعبيرية، جاءت أقرب إلى ما يعرف بالمسرح الجسدي الذي يمزج بين ما بعد الحداثة في الرقص و ما بعد الحداثة في المسرح. كما يعد  العرض ميدانا خصبا يتضمن العديد من الدلالات السيموطقية، التي تلمح بالقضية، ولكنها تبتعد عن المباشرة والخطابية . وهذا عكس ما نجده في (المسرح العربي) الذي بات مغرما بالكلمة والسرديات والحوارات الطويلة. لذا جاء هذا العرض  أقرب إلى "العروض التجريبية" المدروسة بدقة، من حيث التعبير الجسدي للممثل وتوظيف الضوء والظلال والموسيقى في رصد الفعل المسرحي.

ومما لاشك فيه، أن "الأداء الاستعراضي التعبيري" استطاع أن يرسم ملامح  القضية الفلسطينية وأبعادها السياسية والإنسانية المختلفة، مرورا بحقب تاريخية مفصلية ومؤثرة  في التاريخ الفلسطيني منذ عهد  الكنعانيين واليبوسيين والعهدة العمرية وصلاح الدين الايوبي وانتهاء بالعصر الحالي، حيث الأوضاع التي تعيشها القدس منذ ستين عاما وأكثر، التي تمثل عقودا من الاحتلال  للمقدسات الدينية بما فيها الأقصى وكنيسة القيامة.

 وفي هذا العرض، حاولت المخرجة تصوير حالة القدس من خلال امرأة  مقعدة مأسورة مشوهة تكاد لا تقوى على الحراك، وذلك بفعل المؤامرات التي تحاك ضدها. كما تبقى  هذه  العجوز وحيدة نتيجة هجران أبنائها لها منذ زمن!.. مما يوحي بأن هناك هجرة مستمرة لشعب الفلسطيني، فمنهم من أجبر قسرا ومنهم من باع نفسه للعدو!

اختزل  العرض اللغة الحوارية، فجاء أقرب إلى " الاوبريت الغنائي"  الذي يصور ملحمة احتلال القدس التي ضاعت بين الاتفاقيات والقمم والمؤتمرات والصراعات الداخلية التي كانت في صالح المحتل، حيث  تدهورت  الأوضاع الداخلية،  وجعلت  الشعب مجرد لعبة، يتم تحريكها حسب إرادة الآخر، وهناك بعض الكلمات التي تختزل مضامين العمل، مثل:  ( الاغتصاب- الأرض -  المرأة-  امتداد الاحتلال  من النيل إلى الفرات ).

قامت المسرحية على المزج بين  الفنون الاستعراضية والفولكلور والأوبرا والرقص المعاصر ، وغيرها من مفردات " العناصر المشهدية" التي سادت في الفضاء المسرحي. كما استغلت مخرجة العرض الطاقات التمثيلية والغنائية، كما هو الحال عند توظيف صوت الفنان (رامي شفيق) والفنانة الاوبرالية (نادين الشهوان).  إلى جانب  إعادة  إحدى أغاني " شعبان عبد الرحيم"  بغية  توصيف حال الأمة العربية تجاه القضية الفلسطينية.

كما استطاع العرض من خلال لوحاته التسع، أن  يقفز عبر فترات زمنية للاحتلال الصهيوني، مما جعله يقترب من  "المسرح البرختي" من خلال تقديم  ومضات سياسية سريعة عبر لوحات مشحونة بالوجع الإنساني القومي، والذي جعلنا ندرك في النهاية أن القدس ستظل محتلة، ما لم يكن هناك "موقف عربي موحد" يسعى لتحريرها، وليس الاكتفاء بالتغني بالخطب الرنانة عبر المنابر الرسمية  ووسائل الإعلام الموجهة.

كما ركزت مخرجة العرض على توظيف التقنيات المسرحية الحديثة، بغية إضفاء فرجة مسرحية تقوم على التجريب. وذلك من خلال استغلال جميع عناصر "السينوغرافيا"  في رسم الحدث الدرامي، إذ أسهمت "الموسيقى" التي هي من تأليف "وليد الهشيم"  في تكثيف  البعد الملحمي لأبعاد الحدث الدرامي وانتقاله من مرحلة إلى أخرى . في حين سعت  " الإضاءة"  إلى  تصوير " الرؤية البصرية للعرض الاستعراضي" ، واستطاعت أن تجعلنا نتابع أحداثه  بشغف لا يقل عن الحوارات الاعتيادية،  خاصة عند تجسيد الأبعاد الثورية والمواقف الإنسانية الأكثر تأثيرا على المشاهد.

   كما جسدت " الأزياء"  نمطية أبطال العرض وانقسامها إلى شخصيات عربية وأخرى غربية، وخاصة في المشهد الذي ظهرت الشخصيات المضادة فيه، وهم  يؤدون الطقوس الدينية وقد ارتدوا المعاطف . كما راعت المخرجة الانتقال الزمني للحدث وألبست الشخصيات  ما يتوافق مع كل مرحلة زمنية. وساهمت " الكوريغرافيا العامة" للعرض  التي نفذتها  (دينا أبو حمدان)  في إبراز  جمالية مكونات الفضاء المسرحي من خلال التشكيلات الجماعية. في حين جاء "الديكور العام "  للعرض تجريدي، يقترب من الرمز أكثر من الواقع، وهو قابل للتشكل والتلون حسب المواقف الدرامية، شأنه في ذلك  شأن " أجساد الممثلين"  التي اتسمت بخفة الحركة على الركح. علما بأن هذا العرض من بطولة عدد من الفنانين الأردنيين، هم:  رامي شفيق ونادين شهوان وريما نصر وبلال الرنتيسي وموسى السطري ومحمد عوض ونبيل سمور واحمد الصمادي وعطية المحاميد.

  والذين ساهموا جميعا في تشكيل فضاءات الخشبة بمصاحبة قطع الديكور، التي في مجملها عبارة " أشكال حديدية متحركة"، حيث استطاع منفذ الديكور أن يحولها إلى بوابات القدس والى سجون وأقفاص و إلى طاحونة والى جبال وغيرها من الدلالات التي جعلتنا نستمتع بكل مفردة على المنصة!

  ونستطيع القول إن "اللغة الجمالية"  للعرض طغت على الكلمة، وبذلك يقترب هذا العرض من العروض الحديثة، بعد تحوله إلى ورشة عمل تركز على الممثل والسينوغرافيا، بالرغم من أن العرض لم يغفل أهمية الكلمة، حيث اختزل النص وبقيت الحوارات المهمة التي  ترصد الأحداث  المحورية  المكثفة فيه.





No comments:

Post a Comment