Wednesday, June 22, 2011

عرض مسرحية بابيمبا... يعزف على إيقاع الألحان الأفريقية

       تحت إيقاع الطبول الإفريقية قدمت مجموعة (فاسو)  للرقص والتمثيل في مهرجان أيام قرطاج المسرحية في دورتها الرابعة عشر، عرض مسرحية بابيمبا  Babemba ،  والذي يحتفي بأبطال القارة الأفريقية، ويتضمن مجموعة راقصة مكونة من أربعة مؤدين، يتبادلون لغة الإيماءات والتعبير الحركي بصورة إيقاعية معبرة. كما حفل  العرض بالتشكيلات الأفريقية الحركية، التي هي من تصميم الكوريغرافي (سارج إيمي كوليبالي) .

اعتمد عرض (بابيمبا)  بشكل كبير على المغنية الاستعراضية (ديجينيا كوني)  التي تتغنى بأمجاد جنوب أفريقيا، من خلال الاستدلال على أهم الشخصيات التي أحدثت تحولات مهمة في تاريخها، وقادت أهم الحملات الإنسانية التي تدعو لمحاربة التفرقة العنصرية، وذلك من خلال الأداء الكويغرافي الذي هو من تصميم (بابا محمود كوياتي)، والذي حاول أن يجسد  لنا شخصية (باتريس لومومبا) من الكنغو و (توماس سانكارا) من بلاد الرجال الاندماجيين، و (كاومي نكورما)  الذي يحلم  بالوحدة  الأفريقية  و( نيلسون منديلا)  الذي يعد رمزا للسلام في جنوب أفريقيا.

 جميع هؤلاء شكلوا علامات بارزة في تاريخ جنوب أفريقيا، لذا استحقوا أن يكونوا أبطال عرض(بابيمبا)، والذين قاموا  بالرقص والأداء  الحركي القائم  على خفة الحركة، أكثر من الأداء التمثيلي. لذا جاء العرض أقرب إلى الاوبريت الذي تقوده المغنية(ديجينيا كوني)  ذات الحنجرة الاوبرالية الأفريقية، التي تتغني ببطولات الشخصيات الثلاث، و توصف نشأتهم المتواضعة، حيث الشارع والأحياء الفقيرة والحياة البسيطة، ولكنهم بالرغم من ذلك استطاعوا أن يكونوا علامات بارزة في تاريخ أفريقيا  السمراء.

ويشير (طراورية) أحد علماء الحضارات ومؤلف كتاب (تاريخ الحضارة الأفريقية) إلى أن  موضوعات "الدراما الأفريقية" تستمد أحداثها من الأساطير والحكايات والخرافات والعادات في مشاهد بسيطة يختلط الغناء بالرقص فيها.  أما عرض (بابيمبا)  فقد تأثر بالأحداث المهمة من خلال الاستدلال على الشخصيات التي تدخل في صراع مع ذاتها من أجل تحقيق القيم النبيلة، وذلك  بالتعبير الاستعراضي. وهذا يتوافق مع ما عرف عن " المسرح الأفريقي"،  والذي يبحث دائما عن القيم النبيلة بين المتاح والواجب وبين الواقع والمثال،  وهو أيضا  أداة للمحافظة على تقاليد الجماعة وقيمها.
ويبدو أن العرض جاء ليترجم شعار أيام قرطاج المسرحية الذي كان تحت عنوان" مسرح بلا حدود" ، بغية تقديم  نوع جديد من المسارح، اختفى النص منها، وأصبحت تعتمد بالدرجة الأولى على جسد الممثل، الذي استغل طاقات الشباب الأدائية في عرض دام قرابة الساعة!

ومن جانب آخر، زرعت الشخصيات في نسيج  العمل المسرحي، بطريقة تعتمد على الأداء الحركي، مما يجعل رسالته، غير واضحة، خاصة في بدايته. وذلك  نتيجة الإغراق في الأداء الراقص بشكل مكثف. وفي الوقت ذاته، افتقد العرض الأداء التمثيلي، ولا نعلم ما إذا كان ذلك راجعا لكون هذه الفرقة ليست مختصة بتقديم العروض المسرحية، أم أنها تعتبر تجربة أراد المشرفون عليها، أن يحتفوا بالأداء الراقص على الإيقاع الأفريقي، بينما  همشوا  الأداء الدرامي. لذا كان الأجدى أن يصنف هذا النوع  ضمن العروض الاستعراضية، التي يتداخل فيها الرقص التعبيري مع الأداء التمثيلي.

أستخدم العرض "اللغة الأفريقية" الدارجة في جنوب أفريقيا، بأسلوب غنائي شعبي...كما  أكمل عازف (الجيتار)  على الجانب الآخر من خشبة المسرح الغناء باللغة الفرنسية، فشكلا (ديتو)  ساعدا على رفع إيقاع العمل الفني، وقيادة المجموعة الراقصة التي بدت منسجمة على الرقص الأفريقي. وهذا يتوافق مع ملامح  هذا المسرح في عصرنا الراهن، الذي أصبح ينضوي تحت الفنون (الفرانكوفونية) التي تهتم بالموسيقى والرقص والحكايات الشعبية.
بالنسبة للمؤثرات الموسيقية كانت العنصر الثالث بعد جسد المؤدي والغناء، حيث تم توظيف أنغام (الجيتار) بغية المحافظة على توازن الخشبة المسرحية، مع تشذيب العرض بالآلات الموسيقية الأفريقية التقليدية، التي بدت تعزف على لحن ووتر وإيقاع أربع شخصيات التي كانت بمثابة الأسطورة في التاريخ الأفريقي. أما (السينوغرافيا)  فقد استطاعت أن ترسم لنا رؤية بصرية، استمدت مفرداتها من البيئة الإفريقية، بدءا من الرقص الأفريقي الذي قدمه المشاركون في العرض، وانتهاء بحيثيات الديكور التي  صورت  تفاصيل البيئة الأفريقية البسيطة، التي نشأت الشخصيات الأربع فيها .
كما ساهمت الأزياء التي استخدمها العارضون في توصيف الحالة الاقتصادية والاجتماعية للشخصيات في بداية حياتها، وانتهاء بالانجازات التي حققتها. وهذا يتماشى مع ما عرف عن العروض الأفريقية التي لا تهتم بالشكل الخارجي في الأزياء، وإنما تسعى إلى إيصال رسالة أو الموضوع المراد الحديث عنه،  بينما ظلت الإضاءة ثابتة ولم نشهد أية تحول يذكر، فيما ظل العرض يعزف على  الطبول الأفريقية حتى آخر لحظة.

No comments:

Post a Comment