Saturday, June 25, 2011

مقومات الثقافة المسرحية في المجتمع العماني

الثلاثاء, 26 أكتوبر 2010
عزة القصابي -ورقة بعنوان " مقومات الثقافة المسرحية في المجتمع العماني"   

مقدمة :
قبل الحديث عن مقومات الثقافة المسرحية في المجتمع العماني، فإنه يجب الاعتراف بأن المسرح هو أحد الأنظمة الثقافية الحية، التي تستمد مكوناتها من الأنظمة الإنسانية. إلا أنه في الوقت نفسه، تبقى للمسرح خصوصية مميزة، يصعب اختراقها أو صهرها ضمن بقية عناصر هذا النظام، لكونه يتمتع بمواصفات منفردة (1). وينسحب ذلك على واقع المسرح العماني لكونه ينطلق من ثوابت ثقافية منبثقة من مفردات الثقافة العمانية كالتراث والتاريخ العماني، مع النهضة التنموية التي حدثت في السلطنة عقب الطفرة النفطية الحديثة، لذا فهو يقترن بكل ما هو أصيل ومعاصر(2).
ويُعد المسرح من الفنون المرئية والأدبية في آن واحد، وهو يسعى إلى تحقيق المتعة البصرية من خلال اشتماله على عناصر الفرجة البصرية التي تحقق المتعة والفائدة للمشاهد معا، فهو يتمتع بمقدرة على النفاذ إلى فكر الجمهور، ويقدم أعمالا إبداعية تستطيع أن تعيش عبر أجيال متعاقبة حاملة الرسالة الإعلامية أو التنويرية نفسها. كما أنه يسعى إلى الارتقاء بالذوق الفني لدى المشاهد، الذي يحدث لديه تعاطف وجداني تجاه مؤثرات الجمال الخارجية التي تصل إليه من العرض المسرحي مباشرة، مما يشعره بالارتياح الذي يشكل لديه الذائقة الفنية (3).
التذوق الفني والثقافة المسرحية
يعرف محمد البسيوني "الذوق" : "إنه يتضمن القبول والنفور، الارتياح وعدم الارتياح، المتعة والتأفف"(4)، ويعتبر الذوق حركة ديناميكية فاعلة التأثير بمواقف الحياة التي يلعب الجمال فيها دورا إيجابيا. ومن المسلم به أن الفن يعطينا مفاتيح الجمال والقبح والتوافق والنشاز، فالفن يعري الأسس أو المعايير التي يبنى عليها الجمال، وحينما ينقلها الإنسان إلى واقع الحياة، فإنه يسعى للارتقاء بالذوق إلى المستويات الرفيعة (5).
ويقع على "المبدع المسرحي" الحمل الأكبر في الارتقاء بالذائقة الفنية، لكونه يمثل صلب الرسالة التي سوف تصل إلى المتفرج. لذا كان عليه اختيار النصوص المسرحية التي تستطيع أن تشبع رغبات الجمهور، وتعبر عن طموحاتهم وآمالهم، ولكن في إطار من الفن الراقي، الذي يجعل المشاهد يستنكر ما يدور حوله من أعمال سطحية كالأعمال المسرحية الاستهلاكية، التي تفتقر إلى القيم الفنية ويكون هدفها الوحيد هو الربح السريع.
ولا ننسى دور (الناقد الفني) في الارتقاء بالذائقة الفنية وحمايتها من الانحطاط، فهو يقوم بدور الوسيط في اللعبة المسرحية، وينهض بدور حيوي بل ومسيطر في بعض الأحيان على توجهات الحركة المسرحية بصفة عامة. ففي مدينة نيويورك مثلا، يتردد من حين لآخر لقب " جزاري برودواي" الذي يطلق على كبار النقاد، بمجرد نشر مقالة في كُبرى صحف صباح اليوم التالي، وكأنهم يتابعون نتيجة امتحان ليلة العرض الأولى، التي يمكن أن تتراوح بين النجاح والرسوب، فهم يدركون جيدا أن مقالات كبار النقاد ذات تأثير واضح في تحديد مبيعات شباك التذاكر(6). وهذا يجعل المشاهد يثق في رأي الناقد حول العمل المسرحي المقدم، ويسعى إلى مشاهدة ذلك العمل والإبحار في مضامينه وأبعاده الجمالية.
وسوف نحاول في هذه الورقة استعراض بعض المقومات التي يمكن أن تصنع الثقافة المسرحية في المجتمع العماني كالآتي :
* المؤسسات التعليمية ودورها في تأسيس الثقافة المسرحية .
* وزارة التراث والثقافة ودورها في إثراء المشهد الثقافي العماني.
* شركات الانتاج الفني ودورها في استمرارية المشهد المسرحي الجماهيري.
* الاهتمام بالفنانة العمانية والتأكيد على أهمية إشراكها في قطاعات الفنون كافة، والمسرح بشكل خاص.
أولا: دور المؤسسات التعليمية
في التأسيس للثقافة المسرحية
أ. اهتمت المؤسسات التربوية، ممثلة في دائرة الأنشطة التربوية بوزارة التربية والتعليم بالمسرح، وحرصت على تنظيم المهرجانات والملتقيات التي تُعنى بالمسرح المدرسي. كما تكللت تلك الجهود بإشراف المختصين من الشباب العمانيين الذين تخرجوا في الجامعات والمعاهد الفنية في مجالات المسرح المختلفة.
وهناك أشكالات كثيرة للمسرح المدرسي، منها:
1. مسرح الطفل : يُعد مسرح الطفل نوعا من أنواع المسرح المدرسي شكلا ومضمونا، وقد أشارت الدراسات التربوية إلى أن مسرح الطفل، يمكن أن يصبح رافدا للعملية التربوية الحديثة، بما يحققه من فوائد شاملة تهدف إلى التوجيه وتربية الأطفال تربية وطنية واجتماعية وخلقية وثقافية وأدبية وفنية وجمالية.
ويهدف هذا المسرح إلى ترسيخ العديد من القيم النبيلة في نفوس الأطفال كحب الوطن والإيمان بوحدة الأمة العربية وتاريخها المجيد الذي سطره الأجداد، وما قدموه للإنسانية من تراث حضاري عظيم ينصهر في بوتقة الحضارة الإنسانية. كما يطرح هذا المسرح القضايا الاجتماعية والخلقية والنفسية من خلال التعرض للكثير من مشاكل الآباء والأمهات وعلاقتهم بالأبناء، وعلاقة الطفل بالمدرسة والبيت والأصدقاء والمجتمع المحيط به(7).
كما يمكن أن يكون مسرح الطفل عاملا قويا في معالجة بعض الأمراض النفسية، حيث يتم للطفل اختيار الدور المناسب الذي يجعله يتخلص من العقد النفسية مثل الخوف والخجل وضعف الشخصية. فعند ممارسته لفن التمثيل تزداد ثقته بنفسه ويكون قادرا على مواجه الآخر. وهذا يؤكد أهمية هذا المسرح الذي يقوم بدور مؤثر وفعال في تكوين نمو الناشئة الفكري والعقلي والعاطفي والنفسي والاجتماعي، دون أن يفقدهم متعة اللعب والترفيه . وبذلك من الممكن أن نستثمر طاقات الأطفال الموهوبين بطريقة تربوية وفنية في آن واحد، مما سيكون له الأثر الايجابي في تطوير قدرات الأجيال في المستقبل. وخاصة أننا نعيش وسط فضاء مفتوح فيه الكثير من المدخلات الثقافية . والمطلوب منا ليس فقط حماية أنفسنا من التأثير الثقافي الخارجي فحسب، ولكن إيجاد معادل موضوعي، يستطيع أن يقف ضد القنوات الفضائية الأخرى، التي تلزمنا أن نكون ضمن هذه المنظومة شئنا أم أبينا!! (8).
و نذكر عددا من الأسباب التي توضح أهمية مسرح الطفل ورد ذكرها في كتاب "مسرح ودراما الطفل" للدكتورة زينب عبد المنعم(9) على نحو الآتي:
1. إن مسرح الطفل من أكثر الفنون اقترابا من وجدان الأطفال.
2. إن قيام الطفل بممارسة أدواره في المسرح، من شأنه أن يعلمه كيفية التعامل مع الآخرين.
3. يقوم مسرح الطفل بدور بارز في ترسيخ القيم الأصيلة في المجتمع.
4. يُعد المسرح أفضل السبل لاستخدام الحواس والعقل بصورة بناءة، حيث يساعد الطفل على اكتشاف مفردات بيئته.
5. يساهم مسرح الطفل في إكسابه اللغة، وإمداده بالكثير من الكلمات والمعاني التي تسهم في بناء القاموس اللغوي لديه.
ونستنتج من ذلك، أن مسرح الطفل يقوم بدور فاعل في بناء شخصية الطفل، وهو أداة مهمة من أدوات التعلم والتدريب وتطوير الذات واكتساب الثقافة العامة. كما أنه وسيلة لمشاهدة الطفل النموذج على الخشبة، مما يجعل الأطفال الآخرين يتمثلون به ويتخذونه نموذجا لما يقدمه من معلومة والقيم الأخلاقية.
وعندما نقدم مسرحا هو من صنعنا، نستطيع أن نضمن على الأقل أن المُدخلات إلى هذا الفن نابعة من ذواتنا وهي تعكس فكرنا وثقافتنا الأصيلة. في حين، عندما نترك أطفالنا أمام شاشات التلفاز لفترات طويلة، فإنهم يكونون عرضة للتأثر بمحتوى البرامج التي تقدم، وتجعلهم يعيشون في دوامة لا يعرفون من خلالها الصواب من الخطأ. وبالرغم من الدور الذي يقوم به مهرجان مسقط في تفعيل المسرح في المرحلة الأولى، إلا أنه كان يستعاذ بشركات الإنتاج الفني لتقديم عروض مسرحية خارجية، ولكن في الدورات الأخيرة تم الاستعانة بهذه الفرق لتقديم مسرحيات الأطفال، سواء تلك المقدمة من خلال مسرح العرائس أو القفاز أو المسرح التربوي.
2. المسرح المدرسي: يقوم المسرح المدرسي بصقل وتثقيف الطلاب في الفنون المسرحية من خلال برامج الأنشطة المسرحية التي تحثهم على الاعتماد على النفس، وترقية مهاراتهم وتنمية المفاهيم الأساسية، والقيم الأخلاقية والدينية والوطنية لديهم (10).
كما يقوم هذا المسرح بإيجاد جيل جديد يؤمن برسالة المسرح الجادة، الأمر الذي يتطلب ضرورة البحث عن مسرحيات هادفة اجتماعيا، تعمل على تفريغ طاقات الشباب، ومدهم بالقيم الفكرية السليمة، وتهذيب سلوكياتهم، وشغل أوقات فراغهم، مما قد يجنبهم السلوكيات غير المستحبة (11).
ويعتبر هذا المسرح وسيلة للتنوير وتربية وتعليم الأجيال الجديدة بغية توسيع دائرة جمهور المسرح، كما أن الاهتمام بالطاقات الطلابية الفنية، سيفرز مجموعة من الطلبة يمكن أن تتقدم إلى أقسام المسرح بأكاديميات الفنون ومعاهدها ، كما أنه يفترض أن يكون هناك مشرف أو مختص في المجال المسرحي يقدم الاستشارة للمشرفين والأساتذة والطلبة . كما يسعى هذا المسرح إلى تحقيق الأهداف الجمالية والفنية التي يقصد بها تنمية قدرات التذوق الفني تجاه الفنون من خلال إيجاد جيل من التلاميذ يعشق هذا الفن ويمارسه داخل المؤسسات التعليمية (12).
ويساعد المسرح المدرسي على اكتساب المعارف الجديدة والتجارب عن الكاتب المسرحي والمخرج والفنان، وتوسيع الأعمال من الأهمية في فتح آفاق أرحب في التفكير. كما أن هذا المسرح يعمل على إيجاد التعاون بين الطلاب في إنجاز عمل إبداعي بين المخرج وفريق العمل من الممثلين والجمهور والانشغال به بعيداً عن الانعزال والانطوائية ومخاطر الأمراض النفسية (13).
وهناك عدد من العقبات التي تواجه المسرح المدرسي وما يهمنا في هذا المقام هو العقبات الاجتماعية(14)، إذ لا يزال المجتمع العربي حديث العهد بالفن المسرحي، فما بالك بشعوب دول الخليج العربي التي شهدت قفزة نوعية في المجالات كافة، لذا فإن هناك الكثير من الأسر التي لا تزال تتحفظ في مشاركة أبنائها – وخاصة الإناث منهم- في هذا النشاط.
3. دور وزارة التعليم العالي
تقوم وزارة التعليم العالي بجهود حثيثة بغية الارتقاء بالمسرح الجامعي من خلال إقامة الملتقيات الثقافية والمهرجانات والأيام المسرحية، كما أن المؤسسات التعليمة التابعة لهذه الوزارة لا تألو جهدا في الاستعانة بالمختصين...لمزيد من الفائدة وتقديم العروض الطلابية بالإضافة إلى صقل قدرات الطلاب الأدائية والتمثيلية. وخاصة بعد تجميد قسم الفنون المسرحية بجامعة السلطان قابوس الذي تحول مؤخرا إلى تخصص فرعي يمكن للطلاب الذين لديهم حب لأبي الفنون أن ينخرطوا فيه . بالإضافة إلى الأسابيع الثقافية للكليات التربوية التابعة لوزارة التعليم العالي، التي تحولت في الآونة الأخيرة إلى مهرجانات مسرحية مستقلة تنظم المسابقات المسرحية السنوية.
ثانيا : دور وزارة التراث والثقافة
في إثراء المشهد الثقافي العماني
تقوم وزارة التراث والثقافة بدور مهم في إثراء الحركة المسرحية العمانية من خلال إقامة الملتقيات المسرحية لمسارح الشباب ومهرجان المسرح العماني كل عامين، بالإضافة إلى تنظيم العديد من الفعاليات المسرحية كالندوات والحلقات التدريبية، وهناك قنوات متعددة للمسرح تشرف الوزارة عليها ، منها:
1. الفرق المسرحية الأهلية: استطاع المسرح العماني أن يتعدى طور المدرسة والنادي ومسرح الشباب، ليبدع شكلا مسرحيا جديدا قادرا على استيعاب النتاج المسرحي، وذلك من خلال الفرق الأهلية، التي خرجت إلى النور بموجب القرار الوزاري 186/96 الصادر عن وزارة التراث والثقافة، ويبلغ عددها سبع عشرة فرقة(15).
تواجه هذه الفرق العديد من التحديات منها المالية والفنية مما يعطل حراكها الفني، خلافا لما هو حاصل في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث نجحت بعض الدول في تكوين قاعدة جماهيرية أو شباك التذاكر، الأمر الذي ساعد على توليد ثقافة مسرحية لدى المتابع للعروض المسرحية المقدمة. وهذا بدوره ساعد القائمين على تلك الفرق على الاستمرارية من خلال تقديم عروض مسرحية للأطفال وللبالغين.
ونأمل أن تدعم الفرق الأهلية من قبل الجهة المشرفة ماليا و لتوفير مقر ثابت لها مستقبلا، مما يساعد على تحريك الراكد المسرحي، الأمر إلي من شأنه أن ينشط شباك التذاكر في هذه الفرق المسرحية، ويدر دخلا إضافيا إلى ميزانيتها، مما يمكنها من تغطية الإمكانيات المادية التي يتطلبها العمل المسرحي. نظرا، لارتفاع تكاليف مستلزمات العرض المسرحي(16).
* وقد بدأت الجهة الراعية للمسرح في دراسة إمكانية إمداد هذه الفرق بالدعم المادي، الأمر الذي من شأنه أن ينعش النشاط المسرحي لهذه الفرق المسرحية، الأمر الذي لو وجدت سيوفر دخلا ثابتا يساعدها على استمرارية الحركة المسرحية . كما يفترض إيجاد حل لإشكالية وجود دار للعرض المسرحي، وذلك لمحدودية الدور، وخاصة عند إقامة الفعاليات والمهرجانات المسرحية والاستعداد لها، حيث يمكن تجهيز دور عرض مسرحية في الولايات والمحافظات، يمكن أن تقدم فيها الأنشطة المسرحية، بشكل يقلل من الضغط على أماكن العرض في العاصمة، مما سيوفر الوقت والجهد في آن واحد.
2. مسارح الشباب : تحرص وزارة التراث والثقافة على استمرارية المشهد المسرحي من خلال فرق مسارح الشباب التابعة للوزارة، بهدف التنويع في توزيع التظاهرات الفنية على ولايات ومحافظات السلطنة. واستطاعت هذه الفرق منذ إنشائها أن تكون رافدا مهما في ضخ الساحة الفنية بالشباب واكتشاف المواهب الشابة القادرة على العطاء الفني، ثم صقل مواهبهم عن طريق إقامة الحلقات الفنية التي تقدم جرعات من التدريبات الأدائية والحركية.
مما لاشك فيه ذلك جميعا سيسهم في إيجاد قاعدة لا بأس بها من الجمهور المتذوق للفن، تحرص على المتابعة المشهد المسرحي، الأمر الذي من شأنه أن يولد ثقافة مسرحية لدى الجمهور قادرة على التواصل والعطاء .
3. المهرجانات المسرحية: تعتبر إقامة المهرجانات المسرحية ظاهرة موسمية مهمة، بغية تنشيط الحراك المسرحي في السلطنة، شأنه في ذلك شأن بقية الأنشطة الفنية والأدبية. ولكن هذه المهرجانات تخضع للموسمية، ففي حين هناك استمرارية للأنشطة الفنية والأدبية الأخرى، في المقابل، هناك تذبذب واضح في إقامة الفعاليات المسرحية.
وبالرغم من أهمية المهرجانات، حيث إنها ليست ظاهرة احتفالية عارضة، وإنما هي التفاف مسرحي جماعي، يعزز روح المنافسة الشريفة بين الفرق المسرحية المشاركة، كما أنه يكشف عن إبداعات الشباب الفنية. الأمر الذي سيتمخض عنه عدد من العروض المسرحية التي إن صح التعبير – إنتاج الموسم- للمشاركة بها في المسابقات الخارجية والفعاليات العامة التي تتيح للمشاهد الاستمتاع بالمشهد المسرحي العماني بغية إيجاد قاعدة للثقافة المسرحية في المجتمع. كما يجدر الإشارة إلى أنه من خلال العروض المقدمة سواء تلك التي تقدمها الفرق الأهلية أو مسارح الشباب، أو المقدمة في المهرجانات الطلابية، يمكن الخروج من كل فعالية بأكثر من عرض مسرحي يتمتع بسمات فنية جادة يمكن أن تتحول مستقبلا إلى عروض جماهيرية.
ثالثا: دور شركات الإنتاج الفني
في استمرارية الطقس المسرحي
لعله من المؤسف أن تفتقر السلطنة إلى الشركات الفنية للمسرح، حيث غالبا ما يقتصر نشاط تلك الشركات الفنية في مجالي الإنتاج التلفزيوني والسينمائي.
وهذا يجعل مسألة الترويج للنشاط المسرحي العماني ضعيفة وتفتقر على الأغلب للدعم المالي والتوزيع الفني والإعلاني على المستوى المحلي والخليجي والعربي. وان كانت هناك خطوات انتهجتها بعض الوزارات بغية الترويج للمنتج المسرحي على المستوى المحلي تلفزيونيا، حيث تصور ثلاثين مسرحية سنويا، وهذه خطوة مهمة وإن كانت تفتقد للعرض المسرحي الحي الذي يتفاعل الجمهور معه . إلا أنه أيضا يعتبر وسيلة مهمة لصنع ثقافة مسرحية عريضة من خلال الفضائية العمانية التي تدخل إلى الأسرة عبر شاشات التلفزة، لذا كان حريا أن يكون هناك اختيار جيد ودقيق للنصوص المسرحية، لكونها وسيلة فعلية سوف تساهم في صنع مقومات الثقافة المسرحية في المجتمع العماني.
رابعا : تعزيز دور الفنانة العمانية
في المشاركة في المشهد المسرحي
منذ انطلاقة عصر النهضة، والمرأة العمانية تحظى بالاهتمام والراعية في كافة المجالات ومن ضمنها المجال الدرامي. حيث تفاعلت الفنانة العمانية مع ما يقدم من أعمال تلفزيونية ومسرحية منذ مرحلة مبكرة. فقد شاركت في باكورة العروض المسرحية التي قدمت في مسرح النادي الأهلي منذ عام 1973م ، كما هو الحال في مسرحية (ظلموني الناس) للكاتب المسرحي محمود شهداد ( 17)، ثم توالى ظهورها في عدد من الأعمال الركحية، رغم ضيق النظرة لها آنذاك من منطلق منظور ديني واجتماعي، مما جعلها محاصرة بين فنها واهتمامها بأسرتها.
ومن منطلق ذلك كان لابد للفنانة العمانية أن تلقى الدعم والتشجيع، مما يجعلها متحمسة إلى الاستمرارية في ممارسة العمل المسرحي الجاد الذي يخدم المجتمع العماني، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على دفع عجلة التنمية في عمان وخاصة في المجالات الفنية، فالفن لا يمكن فصله عن بقية قطاعات الحياة، لذا فالمرأة العمانية هي رمز من رموز المسرح العماني، يجب الاهتمام به، ومحاولة تصحيح نظرة المجتمع إليه ما أمكن ذلك. وبالطبع لن يحدث ذلك إلا بتأسيس بنية ثقافية مسرحية تراكمية، تفرض أهمية الاهتمام بالفنون والسعي نحو الرقي بها. كما أن دور المرأة العمانية في مجالات المسرح لم يقتصر على التمثيل فقط، بل خاضت تجربة الكتابة والإخراج المسرحي، وهذا بدوره ساهم في إبراز دورها وطرح قضاياها المستجدة.
ويبقى هناك مجموعة من التساؤلات نطرحها، أهمها، هل سيشجع المجتمع مواصلة الفنانة العمانية لإكمال مشوارها الفني؟..وكيف يمكن تشجعيها من قبل الجهات الراعية للمسرح ؟ وكيف يمكن أن تساهم الفنانة العمانية في تأسيس ثقافة مسرحية عمانية؟
ولعل الإجابة على تلك التساؤلات، تقودنا إلى حقيقة توصلت إليها في دراسة سابقة بعنوان (المسرح العماني واقع وتطلعات) أوضحت فيها ضرورة تشجيع الفنانة العمانية على ممارسة العمل الفني الجاد الذي يخدم المجتمع العماني. وذلك عن طريق من تنظيم الحلقات التدريبية للفنانات والكاتبات والمخرجات العمانيات في مجالات المسرح المختلفة، مما سيمكنهن من اكتساب الخبرة والتدريب الأكاديمي في آن واحد. إلى جانب ذلك، ضرورة إقامة الندوات والمحاضرات التي تطرح قضايا الدراما وتناقش التحديات التي تواجهها (18).
ومن ناحية أخرى، لابد للفنانة العمانية أن تساعد في النهوض بالثقافة المسرحية في المجتمع، وذلك من خلال المشاركة في الأعمال الدرامية الجادة، التي تقدم رسالة للمجتمع لتصحيح الكثير من الأوضاع الاجتماعية في حياة المرأة والأسرة.
وبشكل عام، فإنه لابد من القيام بالكثير من الدراسات التي تبحث في موضوعات المرأة وتسعى إلى تطوير صورتها في الدراما العربية والخليجية والمحلية. ويمكن الاستفادة من التقارير والدراسات المتعلقة بشؤون المرأة والطفل الصادرة عن وزارة التنمية الاجتماعية أو وزارة الاقتصاد سنويا في السلطنة، مما سيساعد في تقديم صورة حقيقية عن واقع المرأة العمانية والتعبير عن قضاياها الحقيقية، بحيث تجعل المجتمع يتعاطف مع أدوارها.
هناك عدد من النقاط تساعد على الارتقاء بدور المسرح، مما يجعل الجمهور يقبل عليها:
* استخدام التقنيات الحديثة في المسرح العماني، بالطبع لن يكون ذلك إلا بوجود مخرجين مبدعين قادرين على تقديم رؤى إخراجية والاستمرار بها، فإنها تستطيع أن ترقى بالمسرح العماني، مما سينعكس إيجابا في الارتقاء بذائقة الجمهور(19).
* استخدام التراث في مواجهة العولمة الثقافية من خلال توظيف الموروث الشعبي و الإنساني وعناصر الفرجة في الواقع المحلي والخليجي. وهذا من شأنه أن يرتقي برسالة العماني، بوضع أساسيات تميزه عن غيره من المسارح من حيث الموضوعات المطروحة أو القوالب الشكلية المستخدمة.
* محاولة الابتعاد عن العروض المسرحية المبتذلة، والحرص على ترويج المسرح الجاد، وذلك بالابتعاد عن ثقافة الجسد والجنس، التي تعتبر عوامل هدم وخلخلة للثقافات، وقد تحولت إلى ثقافة لا تنتمي إلى شعب معين، وكل همها البحث عن الفائدة والربح السريع.
المراجع :
1. كرومي، عوني، الخطاب المسرحي: دراسات عن المسرح والجمهور والضحك، السلسلة المسرحية(الدراسات)، الشارقة2004، ص11
2. القصابي، عزة، الثقافة المسرحية ومستقبل المسرح العماني ، ورقة مقدمة للمنتدى الأدبي بوزارة التراث والثقافة، ( ندوة المسرح العماني 2008).
3. C. Hovland, Communication and Persuasion, London: Penguin Books, 1973, PP.123.
4. البسيوني، محمد، تربية الذوق والجمال، دار المعارف: القاهرة،1996م، ص23
5. نصار، محمد و كوفحي، قاسم، تذوق الفنون الدرامية، عالم الكتب الحديثة:أربد، الطبعة الأول، ص103
6. راغب، نبيل، أساسيات العمل الصحفي، الشركة المصرية العالمية للنشر – لونجمان:القاهرة، الطبعة الأولى، 1999م.
7. أودام، موقع إلكتروني، بتاريخ 20/1/2008.
http://www.awu-dam.org/
8. الشماس، عيسى، أدب الأطفال بين الثقافة والتربية، وزارة الثقافة، دمشق، 2004م،
ص 84.
9. عبد المنعم، زينب، مسرح ودراما الطفل، عالم الكتاب،القاهرة، الطبعة الأولى، 2007، ص18.
10. القصابي، عزة، المسرح المدرسي والطالب، ورقة مقدمة في مهرجان المسرح الخليجي الرابع بمشاركة دول مجلس التعاون الخليجي خلال الفترة 17-22/2/2007م بمسقط، ص 8 .
11. المرجع السابق، ص 9.
12. حسين، كمال الدين، المسرح التعليمي المصطلح والتطبيق، الدار المصرية اللبنانية: القاهرة، 2005م، ص 27-28.
13. دليل الأنشطة التربوية، وزارة التربية والتعليم، الطبعة الأولى، 2002-2003، ص 61-62.
14. الشافعي، يوسف بن سعيد، المعوقات والصعوبات التي تواجه المسرح المدرسي في سلطنة عمان ، وزارة التربية: المديرية العامة للتربية والتعليم لمنطقة شمال الباطنة ،2002م، ص4.
15. القصابي، عزة، رؤية في المسرح العماني، وزارة التراث والثقافة-مسقط، 2006م،
ص 96.
16. العويسي، علي، المسرح في سلطنة عمان: بدايته وتطوره ومستقبله، فعاليات ومناشط- حصاد أنشطة المنتدى لعام 91-1992م، سلطنة عمان، المنتدى الأدبي، وزارة التراث القومي والثقافة، ديسمبر 1993م، ص 270.
17. الحبسي، محمد، ، الحركة المسرحية في عمان، وزارة التراث والثقافة، مسقط، الطبعة الأولى، 2006م، ص 59
18. القصابي، عزة، المسرح في عُمان واقع وتطلعات، وزارة التراث والثقافة، المنتدى الأدبي، بتاريخ 18 فبراير 2008م ، ص 10
(19) المرجع السابق، ص 11

No comments:

Post a Comment