Tuesday, June 21, 2011

رثاء الفجر ..عرض يبحث فيما بعد الموت




     عبر  تجربة مسرحية عمانية مميزة،  شاركت فرقة مسرح مزون المسرحية في أيام قرطاج المسرحية في الدورة الرابعة عشرة، وذلك من خلال عرض مسرحية (رثاء الفجر) للكاتب العراقي قاسم مطرود، ومن إخراج يوسف البلوشي. ولقد حاول العرض البحث في دائرة الغيبيات والموت من خلال رحلة الزوجة المصيرية التي اعتادت القيام بها لزيارة قبر زوجها قبيل فجر العيد.


استطاع عرض مسرحية (رثاء الفجر) نحو قرابة الساعة من الزمن أن ينقلنا إلى العالم الآخر!.. فهو يخرج عن دائرة المنطق ويحاور منطقة اللاوعي أكثر، لكونها المنطقة التي تتضمن أحلام اليقظة، في محاولة من القائمين على العمل لكسر المألوف والاقتراب من المحظور بشيء من الشفافية الفنية. وذلك من خلال تصوير أرملة اعتادت على زيارة قبر زوجها قبيل الفجر، لتقوم بطقوسها المعتادة ، حيث البخور والعطور. لنراها  تبكي على أطلال ابنها الذي استشهد في الحرب، ولم يتبق لها سوى بدلته العسكرية التي علقت فوق قبره كأنها نصب تذكاري يرفض النسيان.

ومن ناحية أخرى، استطاع مؤلف العرض أن ينسج من ثيمة (الموت) تركيبة  من الأحداث المثيرة للجدل، وذلك من خلال  العلاقة بين المرأة  التي كانت تردد على قبر زوجها، والتي ظلت تكن له الكثير من الود، والتواصل والتعاطف معه حتى بعد موته..والأغرب أنها كانت تحلم باليوم الذي تنتقل روحها بجانبه، فيا له من تصوير فذ!.. إذ كيف تظل الزوجة أسيرة الماضي ووفية لزوجها حتى بعد رحيله إلى عالم الأموات؟!...في الوقت الذي نجد فيه ضياع العديد من القيم النبيلة بين الأزواج الأحياء! ..وبذلك  التواصل الإنساني الجميل  الذي صنعه العرض، وحرصت شخصياته على إيصاله للمشاهد، أصبحنا لا نعرف ما يدور أمامنا، هل  يقع ضمن إطار عالم (الأموات) أم (الأحياء)؟!


دونما شك، أن دائرة الغيبيات ( بعد الحياة ) تتضمن أبعادا فلسفية عميقة، تنقب في الذات حينا، وتلتحم بالرمز حينا آخر. وخاصة عندما يخرج الزوج من قبره ويتحدث مع زوجته، بينما يدور حوار  يدل على أن العلاقة بينهما لن تنفصل عقب صعود روح الزوج إلى السماء. لذا فهي ألفت الحديث معه وزيارة قبره، لتخبره بأدق تفاصيل حياتها، كما  تشعره بمعاناتها ووحدتها! ..فهي تبكي وتتألم على  أطلال الماضي وتناجي  روحه الغائبة الحاضرة !


اتسم  العرض بالتركيز على الحوار بين الشخصيات، والبحث عن نقاط التماس بينها، خصوصا بين شخصيتا الزوجة وشبح الزوج..فيما ظهرت شخصيتي "حفار القبور" في بداية المشهد، واللذان  سرعان ما تواريا عن الأنظار. وكان من الممكن التخلص من هاتين الشخصيتين لأنهما لم يضيفا شيئا للحدث العام.  وكان يمكن التركيز على شخصية الزوجة وروح الزوج في رسم "البعد التراجيدي"  الذي يعبر عن الفراق  والمعاناة، وخاصة بعد فقدان  ابنهما الشهيد في الحرب.

استطاع بطلا العرض كطاقات تمثيلية أن يرفعا إيقاع  العمل، بالرغم من الحوارات السردية التي غلبت عليه، التي اتصفت ببعدها الفلسفي، فبرغم الدور الذي قامت به الفنانة الشابة (سميرة الوهيبي)، كان يغلب عليه مناجاة الزوجة لزوجها قبل أن يخرج من قبره..إلا أنها استطاعت أن تستغل امكانياتها الأدائية بغية أعطاء الدور أبعادا إضافية تعبر عن معاناة المرأة التي أصبحت وحيدة تبكي على أطلال  الماضي( استشهاد الابن، ووفاة الزوج). كما استطاع الفنان (إدريس النبهاني) التواصل مع الزوجة، من خلال الأداء الحركي التعبيري خصوصا في اللحظات التي يخرج منها من القبر للقاء زوجته!.. وكذلك في المشهد الختامي، عندما قرر الزوجان الانتقال إلى عالم الأموات.  لذا نلاحظ أن هناك نقاطا للتماس والتقابل الإنساني ، حرص الممثلان على تصويرها بصورة إنسانية، أدائية، حركية، جعلت الجمهور يتعاطف معها، ومع بقية الشخصيات التي أداها كلا الفنانين خالد الضوياني والفنان الشاب عبدالله الرواحي .

  ومما لا شك فيه، أجاد المخرج (البلوشي) في تركيب السينوغرافيا العامة للعرض، خصوصا أنه ركز على الجانب الأيسر من الخشبة، حيث قبر الزوج والابن الشهيد، والمكان الذي اعتادت الزوجة القيام  بطقوس لزيارة زوجها قبيل الفجر. كما استخدم الديكور البسيط الذي يقوم على الرمز، حيث تم توظيف (قصصات) الجرائد الخفيفة التي تناثرت هنا وهناك..بغية تحديد مكان المقبرة التي كانت تتردد الزوجة عليها، ومكان (البدلة العسكرية)  التي علقت على مشجب في قعر المسرح بالقرب من لحد الزوج، فيما كانت  الزوجة  تطوف بـ(المبخرة) وهي تردد "أغنية شعبية عمانية" . كما ساعدت الإضاءة على  تحديد وهج الفجر وزادته تألقا، بعد إدخال "المؤثرات الصوتية"  عند  رفع  أذان الفجر  المسجل للإيحاء بالزمن الذي حددت المسرحية، نقطة انطلاقة الحدث. كما ارتدى الممثلان الأساسيان الملابس البيضاء للدلالة الرمزية على الموت حيث الأكفان والموت ورائحة القبور، التي سادت العرض منذ المشاهد الأولى التي استطاعت أن تنقلنا من عالم الأحياء إلى عالم الأموات بدون أن نشعر بذلك!




No comments:

Post a Comment