Monday, June 20, 2011

العرض الدنماركي " المخلوق"

في ظل دوامة المتغيرات السريعة التي تدور في لج التطورات التقنية المتوالية،  أصبح الإنسان العصري محاصرًا بمنظومة واسعة من الأطر المستجدة والمركبة التي يصعب الفكاك منها..وهذا هو كان مصير " المخلوق" لفرقة مسرح نياندر الدنمركية وللمؤلف والمخرج  كريستجان انجيمارسون...


يُعد عرض مسرحية " المخلوق"  أقرب إلى برامج(كريب شو) التليفزيونية السريعة التي  تقدم من خلال لوحات سريعة ومختزلة، حرص المخرج والمؤلف  فيها على استعراض  لوحات منفصلة، وفي كل لوحة كان يحرص فيها، أن تقدم بشكل مختلف ليعبر عن  أوجه الحياة بصورها المختلفة.

غلب على العرض بروز الشخصية الرئيسية التي كانت تصنع الفعل على المنصة، وتحرص على إشراك المشاهدين في الفرجة المسرحية، التي كانت أقرب إلى المشاهد المؤقتة، التي لا تلبث أن تظهر حتى تضمحل...أما العنصر الثاني السائد في العرض، هو صناعة             " السينوغرافيا"  الحية لحظة العرض بواسطة الممثل الرئيسي، الذي كان يباغت الجمهور، بتحولاته المفاجئة مع إصراره على إشراك الصالة في صنع الحدث منذ بداية العرض.

والأجمل في هذه  التجربة المسرحية، هو أن "المخلوق" كان يتواجد داخل الصندوق أو العلبة....وكان محاطًا بغشاء مصنوع من البلاستيك، حيث  ظل محاصرًا داخل هذه الطبقة البلاستيكية الشفافة، ليعيش فصول تجربة حياته ويتحاور مع نفسه ويقاومها  ويتغلب عليها حينا وتتغلب عليه حينا آخر!...مما جعل الشخصية تترنح في أوجه الصراع مع ذاتها.  فهو من يصنع الحدث ويؤجج الصراع في الاحداث، نتيجة مرارة الحياة المعاصرة ووسائل التقنية  الحديثة التي تحاصره، التي تفرض عليه مجموعة من القيود تحد من حركته من تفاعله مع الآخر.

وهكذا ظهرت هذه الشخصية مسلوبة الإرادة، منتزعة من واقعها الحقيقي، مغموسة في واقعها الآلي الذي سلبها حرية التعبير، فهي تعيش في دائرة ضيقة، فرضت عليها، لتصبح  مسلوبة الإرادة والرأي والهوية .

وكان  الصندوق البلاستكي دائم الحركة، وهو ذو أبعاد ثلاثية، جعلت عين المشاهد تعشق النظر إليه، وتحاول التحديق في  أطرافه المتعددة ... حيث ظهر الصندوق  في البداية في مقدمة  الخشبة، ثم لم يلبث أن انتقل إلى الوسط حتى وصل إلى أطراف الخشبة  ...ثم عاد  مرة أخرى إلى الوسط، عندما حاول " المخلوق"  الخروج منه بطريقة بأخرى..كما ظهرت  شخصية أخرى، حاولت  مساعدة الشخصية الأولى في الإمساك  بلجام حركة الصندوق العجيب القابل للتأرجح والشكل.

من الأمور الملفتة  للنظر، أن العروض الغربية تركز على الممثل على اعتباره عنصرًا أساسيًَا في قيادة العرض، في حين تأتي العناصر الأخرى المكملة له، لذا فإنه ليس من الغريب، أن يتمتع  بطل عرض " المخلوق" بطاقة أدائية عالية، رشيقة على الخشبة،  قابلة للتشكل والتلون حسب نوع الدور الذي يؤديه. وفي نفس الوقت، فإن هذا النوع من الأداء يتناسب مع طبيعة هذه العروض التي تركز على الفرجة البصرية  وتنأى عن الكلمة، وهي غالبا ما تحول النص المكتوب إلى ايقونات بصرية، قابلة للتشكل والتغير حسب الرؤية الإخراجية للعرض.

 كما أن ظهور شخصية  الأخرى في هذا العرض الحداثي، شكل انعطافة حقيقية على مستوى الحركة والشكل.. خاصة عندما تفاعل مع المحورية، وقام بالدور المساعد، لذا فإن هذه الشخصية حرصت على تطبيق فكرة التماثل في الأداء التعبيري، حيث كانت   شاطرت  الأولى جميع حركاتها، إضافة إلى البُعد  الجمالي الذي إضافته  على العرض.
 وكان الممثلان يؤديان أدوارهما ويخاطبان الجمهور لتشجيعهم  للرحيل إلى عالمهم، الذي أصبح مشبعًا بأزيز الآلات ومحاولة دعوتهم للعيش في مملكتهم الجديدة ..التي صممت حسب تصوراتهم المجنونة التي تميل إلى الطبيعة.

ولقد قامت الإضاءة بدور أساسي في تصعيد الإيقاع العام للعرض المسرحي، حيث كانت تركز على الممثل الدائم الحركة والاستعراض والضحك ..كما سعى المخرج  إلى إشراك الجمهور.  وفي ذات  الوقت،  قامت الموسيقي الغربية  جعل العمل غربي الطابع والمضمون ...إلى جانب التقنية الحديثة المستخدمة في العرض، التي أصرت  على كسر الجدار الرابع بين الفترة والأخرى بهدف  مخاطبة الجمهور وفتح باب الحوار معهم .






No comments:

Post a Comment