Wednesday, June 22, 2011

تكتيك...عرض يبحث عن اتجاه سياسي موحد للوطن العربي

    انطلاقا من التكتيك السياسي والعسكري ووصولا إلى " التكتيك" الاجتماعي الذي يظل مجرد حلم  لدى البعض الذين لا يعرفون  لماذا يفشلون عندما يحاولون وضع تخطيط واضح  يحدد مسار حياتهم الخاصة، هكذا كان شأن مسرحية " تكتيك" ، والتي حاولت  استكشاف أين يكمن الخلل في كيانها الأسري. وهذه المسرحية من تأليف وإخراج عبد المنعم  عمايري، والتي قدمت خلال فعاليات مهرجان دمشق الرابع عشر بمسرح الحمراء ضمن فعاليات دمشق عاصمة الثقافة العربية.

وبالرغم من "تقليدية" فكرة المسرحية التي تصف حال أسرة تعاني المشاكل الاجتماعية، والتي تكون سببا  فيما بعد في ضياع مستقبل ابنتهم الوحيدة، والتي سرعان ما تهرب إلى الشارع من البيت الذي يفتقد إلى الدفء الأسري... ولكنها سرعان ما تقع في أوحال مستنقع  آخر يؤدي بها إلى الانحراف! وبعد جدال طويل يحاول الأبوان إصلاح ذات البين من خلال  وضع  " تكتيك " جديد ولكن بعد فوات الأوان   ... وهذا الصدع الأسري سببه الاختلاف الأيديولوجي بين الأب والأم،  فالأب يتبنى فكرا سياسيا تؤكده معتقداته  الشيوعية التي كانت متفشية أيام  الاتحاد السوفيتي، أما الأم فهي يسارية الاتجاه، لذا فهي ترفض فكر زوجها وإتباعه الذين يسهرون ويعربدون بدون معنى طوال الليل، لذا  فهي تقرر الهرب إلى فرنسا، وبذلك تصبح الطفلة في رعاية الأب. إضافة إلى ذلك، فإن هذا الخلاف  الأسري السطحي في معناه الظاهر، هو  في حقيقة الأمر يعد شرخا عميقا في معانيه الجوهرية ومضامينه على مستوى البنية  النصية للعرض.

ولا يفوتنا أن نذكر، أن افتتاح العرض من خلال لقطات  "الصور الجامدة" ، جاءت بمثابة العتبة التي توصله إلى أعماق شخصياته، بحثا عن ذواتها المنكسرة أمام عقبات الحياة العصرية، والتي أصبحت متأججة بالهموم والآهات والأوجاع والدموع حول مصير القضايا القومية المحيط بها.

 وقد تم تدشين العرض المسرحي من خلال تفجير الأزمة التي تعاني منها  الأسرة، فبعد عودة الأم إلى البيت، يدور جدال طويل هدفه تصفية الحسابات السابقة، ثم يقرر الأبوان البحث عن الابنة " كنزة"، والتي وقعت هي الأخرى ضحية في يد صاحب الملاهي الليلية  " حربي" الشيوعي الاتجاه، والذي يسيطر عليها وعلى باقي بنات جيلها، لذا نلاحظ بأن هناك  ظلالا لشخصيتها، فهي بالرغم من أنها شخصية واحدة، إلا أن الرؤية الإخراجية استخدمت الصورة البصرية للتعبير عن الانقسامات التي تحدث لهذه الشخصية لتصوير ملامحها ووجوهها المتعددة، والتي رسمت زوايا لها، وجعلتنا ندرك بأن مصير الابنة أصبح مثل البقية، اللاتي يمشين في نفس المسار الذي رسمه لهن القدر الاجتماعي.

كما أن المتابع للعرض المسرحي يكتشف دهاليزه المغرقة في الواقعية من خلال عكس الأزمة الاجتماعية، بالإضافة إلى الدلالات الرمزية التي  تصور واقع الوطن العربي وظهور الكيانات العظمى التي حولت العالم  إلى قطب واحد، مع تسليط الضوء بصورة فنية على بعض الثغرات التي كانت نتيجتها ضياع بعض الأقطار العربية، وهذا بدوره حفز ذهنية المشاهد على البحث عن الدلالة الشرعية لمفهوم الابنة، فهل هي الوطن الضائع  الذي كان بسبب غياب " التكتيك"  الفعلي ، وعدم الاتحاد وتفرق الكلمة واختلاف التوجهات السياسية والأيدلوجية للأمة العربية.

على مستوى الأداء التمثيلي تألق أبطال العرض المسرحي، من خلال أداء الأدوار الرئيسية الأب والزوجة والابنة، حيث كان رهان المخرج على  قدرات الممثلين واستخدمها كأداة رئيسية في الركح، بمثابة  الورقة الناجحة التي استطاع أبطالها  اللعب بها بجدارة. بالرغم من تقليدية الفكرة إلا أن الأداء التمثيلي حدد بطريقة فنية فذة، استطاعت أن ترسم لوحة جمالية من خلال الأداء الحركي السريع الذي كان يحكم الفعل المسرحي على الخشبة، ويخدم فكرة العرض الرئيسية في نفس الوقت، لكونه يتضمن العديد من الإيحاءات  التي بدت تتكشف على مستوى التحولات الداخلية والخارجية للشخوص. وهذا العرض بطولة  الفنان  فايز قزق و قاسم ملحو و رغد مخلوف  وأسامة حلال ونسرين فندي ورميز.


 كما أن العرض المسرحي "تكتيك" اعتمد على التشكيلات الاستعراضية الراقصة من خلال إيجاد  ظلال لشخصية الابنة التي تحمل العديد من الدلالات من خلال الأداء الحركي والاستعراضي  الذي قامت به مجموعة من الفتيات، هن:   يارا عيد، حور ملص، داريا جميل، لانا شميط، لانا فهمي، رؤى ريشة، ماجدة الحرك، عزّة سواح، ريناتا مجبل، ديانا. أما تصميم "الكريوجرافي"  فقد كان من قبل فريق العمل المكون من مصممي الاستعراضات المحترفين: عزة سواح  وديانا كريميد وريتنايا والفنان علاء الحرك .

كما كان الجمهور النخبوي والعام على  موعد مع اللمسات الإبداعية التي صممت ونفذت الديكور العام للعرض المسرحي، حيث استغل المخرج الركح في إطاره الواسع، بينما همش الديكور واوغل في تصوير السينوغرافيا على الخشبة، مستخدما خلفية مكونة من الصفائح المعدنية والتي تم توظيفها بطرق متعددة، وفي نفس الوقت فأنها خدمت الرؤية الإخراجية، وساعدت على تعميق التفاعل بين المشاهد وجسد الممثل، والذي بالفعل كان يحتل مكان السيادة على الركح. كما نسجت أشعة الإضاءة ظلالها الأثيرية على أجساد الممثلين والحدث وكذلك الكورس، مما جعل الممل الذي قد يشعر به المشاهد عند متابعته لبعض العروض المسرحية يتوارى، ففي كل لحظة كان على موعد مع تكتيك جديد.

وبالنسبة للملابس والإكسسوارات المستخدمة في العرض فقد جاءت ترجمة للأبعاد النفسية والجسمية لشخوصه، حيث عكست المشاهد الأولى أهم ملامح الاتجاهات الفكرية والطبقات الارستقراطية التي ينتمون إليها. ثم تحولت في مرحلة لاحقة لتصف المراحل  العمرية للشخصيات وخصوصا عندما ظهرت الابنة التي لا يتجاوز عمرها السابعة عشرة، والتي تنعت بالتهور والحركة الزائدة...فالرؤية الإخراجية  لتصميم الملابس لهذه الشخصية تحديدا، جعلتها تتسم بلمسة احترافية تناغمت مع بقية مفردات العرض المسرحي، ليكون بحق هناك " تكتيك" على مستوى العرض المسرحي المقدم.

No comments:

Post a Comment