Saturday, June 18, 2011

فوتوكوبي".. الحياة اليومية في عرض مسرحي

برزت واقعية العرض السوري (فوتوكوبي) منذ الوهلة الأولى للمشاهد، حيث أصر العرض على جعل الجمهور يتابع عرضًا مسرحيًّا، يلتمس مقوماته من واقع الحياة وتحدياتها التي لا تنتهي. وهذا العرض مأخوذ عن نص (الطابعان) لموري شيزجال ومن إعداد وإخراج ماهر صليبي. ويستمد هذا العرض موضوعه من رتابة الأنظمة الاقتصادية والسياسية في الوطن العربي، والذي كانت انطلاقته مع موجات الأثير المنبعثة من المذياع الذي كان يبث برنامجا عن مسيرة الأمة العربية من الشرق إلى الغرب.

إن المتابع للعرض يجده يلامس شغف المخرج بإخراج النص بطريقة تعتمد على تضخيم سلبيات الحياة المغرقة في الواقعية بأسلوب كوميدي لاذع. وفي الوقت ذاته، فإنه يناقش مجموعة من القيم والمبادئ الإنسانية، مثل: الإخلاص والوحدة والألم والحلم والسُلطة والاستبداد والغريزة والوهم والخيال.. وكعادة هذا النوع من المسرحيات فإنه يتعرض للعديد من القضايا، مثل كثرة الإنجاب وضعف الرواتب وعدم الاهتمام بالموارد البشرية في الدول النامية، بالإضافة إلى التأخر التكنولوجي، فعلى سبيل المثال فأن الموظفين لا يحصلان على حاسب آلي، إلا بعد وصولهما إلى سن متأخرة من العمر في الشركة يعملان بها.
وقادت العرض شخصيتان أساسيتان هما مروان وليلى، ومنذ بداية العرض ظهرت الشخصيتان سطحيتين، ليس لهما أبعاد جانبية، عقب ذلك بدأت الأبعاد الأخرى التي تعبر عن صراع الشخصيات مع ذاتها في الظهور، فعلى سبيل المثال تظهر المرأة في البداية فتاة بسيطة، ثم يبدأ العرض في التوغل في صميم حياتهما الشخصية، ليتضح أن الموظفة (ليلى) أنها تنتمي إلى أسرة كادحة تتكون من عدد كبير من الأخوة. وهي تعيش أوهام الزواج من شخصية مرموقة، بينما كان العمر ينساب من يديها سريعا، إلى وجدت نفسها وحيدة في نهاية المطاف.

ولم يقف العرض عند رسم الخطوط العامة لملامح الشخصيات العامة، وإنما أصر على أن ينقلنا إلى التعرف على تفاصيل الحياة الشخصية للموظف (مروان)، حيث يتضح بأنه تزوج في عمر مبكر ولديه أبناء، وهو يعاني أزمات مالية متوالية، ويتحمل مسئولية أسرة ويكمل دراسته.. وتظل الشخصيتان في تحول وتغير مستمر عبر محطات الحياة.. إلى أن ينتهي العرض لنجدهما في نهاية العمر. كما تظهر في العرض شخصية ثانوية المتمثلة في شخصية (الفراش ابو عبدو) الذي قطعت لسانه لكيلا يفشي بأسرار المدير، والذي كان شاهد أعيان على رحلة حياة الموظفين التي ضاعت أحلامهما مع الأيام.
وتمر لحظات العمر سريعا على الشخصيتين اللتين جمعتهما ظروف العمل، لنجد في نهاية المطاف أن الرجل عاجز عن تحقيق طموحاته العملية وتعديل وضعه الاقتصادي والاجتماعي.. في حين أن المرأة (ليلى) تظل تعاني وطأة الظروف الاجتماعية.. وفي النهاية يكتشفان أن حياتهما مجرد (فوتوكوبي)، أي نسخة من الآخر فحسب مع اختلاف بعض التفاصيل الدقيقة عن الشخصيتين!

وبالرغم من اعتماد العرض على ممثلين، هما: الفنانة يارا صبري والفنان محمد حدقاقي اللذان امتازا بأدائهما السلس، إلا أن هناك ضعفا في الإيقاع العام في بعض مشاهد العرض، بسبب اعتماده على السرد الحواري وتحول الصراع فيه إلى صراع داخلي، بينما في المشاهد الأخرى استطاع الممثلان إحداث نوع من التوازن، من حيث الأداء والتعبير عن واقعهما الذي يعكس حال المواطن العربي في الكثير من البلدان العربية، التي تعاني من العشوائية في التخطيط وتقسيم الموارد الاقتصادية بشكل صحيح.
وعلى مستوى السينوغرافيا مزج الديكور بين الواقعية والرمزية، حيث يجد المشاهد في بعض مواطنه يقترب من التصوير التجريدي المنفذ بطريقة سريالية، في حين في بعض جوانبه يكون واقعي حيث النوافذ والأبواب للدخول والخروج.. والإضاءة المتعاقبة التي تصور توالي الأيام والسنين على حياة موظفين ظلا في الخدمة لمدة طويلة، كما ظلت الموسيقى متوالية ومتعاقبة لترسم فصول عمر الشخصيات، التي مضت رحلة العمر بهم دون توقف، ليكونوا مجرد نسخة من الآخر.

No comments:

Post a Comment