Monday, June 20, 2011

ثقافة فستان العروس البكماء

 قدمت فرقة (سكرين فيجن) عرضا مسرحيا بعنوان (9 كتب .. لم أقل شيء) للمخرج اللاتفي (هاريجس بتروكيس)، وذلك خلال مهرجان القاهرة الدولي التجريبي في دورته الثانية والعشرين. ويعتبر هذا العرض توليفة  جميلة لمقتطفات أدبية كلاسيكية مستوحاة من التراث العالمي الأدبي والمسرحي.

وقدم هذا العرض في الفضاء الركحي الممتد على طول خشبة المسرح بدون إظلام مما ساعد على تتبع التسلسل المنطقي للإحداث وتتابعها الزمني، ويتكون العرض من ممثلتين وممثل واحد وهو الشخصية المحورية في العرض، و كان يقوم الممثل بقراءة الكتب التسعة طيلة العرض، والتي قاربت على الساعة، في حين أن الممثلتين كانت أدوارهما  تتغير وتتلون حسب طبيعة الدور الذي يؤديانه في كل مرة.

ومنذ بداية العرض يظهر الممثل وهو يتصفح الكتب التسعة واحد تلو الآخر بصوت عال، فيما أقترب صوته (الاوبرالي) من التراتيل الكنائسية المقدسة، كما تظهر زوجته جالسة  بجانبه وهي تستمتع بقراءته...ويظل الزوج يقرأ ويقرأ وهو في كل مرة ينتقل من  كتاب إلى آخر، والتي آثرت إلا تنتهي إلا عند نهاية العرض!..وفي الوقت ذاته، فإن لغة الكتب المقروءة، كانت تتغير حسب الموضوع  . ولما كانت اللغة تختلف من كتاب إلى آخر، فقد كانت الشخصيات تتحدث عددا من اللغات الأوربية وخاصة اللغة الانجليزية والفرنسية، وغيرها من اللغات..كما سردت الشخصيات تسع حكايات ..إلى أن نكتشف  في النهاية أنها لم تقل شيئا ؟!

ولقد حاول العرض توصيف الفجوة الثقافية التي يعاني منها المجتمع الغربي، برغم تعدد لغاته وعمق بُعده الحضاري، حيث أنه أصبح في العصر الحالي يفتقد إلى الحوار الإنساني                    والثقافي المفترض مع الآخر... بالرغم من زخم الكتب المقروءة، التي عبر عنها المخرج بالكتب التسعة التي كانت تقرأها  الشخصية ولكن بدون جدوى!

هكذا استمر العرض في طرح قضية (الاختلال الثقافي) الذي تعيشه الشعوب الأوربية نتيجة  الإفلاس الفكري والثقافي، حيث سادت الأفكار الاستهلاكية وأصبح كل شيء مزيف، وفي نفس الوقت برغم خواء الفكر الاستهلاكي، إلا أن الشعوب الغربية، استطاعت أن تنشره في أنحاء العالم. ولقد عبر المخرج عن ذلك الزيف عن طريق تصميم زي (العروس)، والذي كان عبارة عن فستان طويل ابيض كانت ترتديه إحدى شخصيات العرض، ولقد استعانت الشخصيات الثلاث بستارة المسرح لتصميمه بطريقة أنيقة، حيث قامت الشخصية المحورية والشخصية الأخرى بتنفيذ  طبقات فستان الزفاف والذي بدا فخما في تكوينه. برغم بريق ذلك الفستان الذي ترتديه العروس ليلة زفافها، إلا أننا في النهاية نكتشف أنها بكماء لا تستطيع النطق بكلمة واحدة !..وهذا هو حال الشخصيات الأخرى على المنصة، برغم قراءتها لتسع كتب وتحدثها لتسع لغات... فإنها لم تقل شيئا!...

بشكل عام، اتسم العرض ببساطته على مستوى الشكل والمضمون، لأن كل ما على منصة أكد التناقض بين البُعد الثقافي وعدم  مقدرة الشعوب الأوربية على استيعاب الآخر، وذلك من خلال سينوغرافيا بسيطة ابتداء من المنصة، حيث الشخصية الرئيسية التي كانت تجلس على كرسي، وتقرأ الكتب التسعة، كما حملت لوحة الشطرنج دلالة سيمناطيقية في رهانها على الواقع الثقافي . إلى جانب مقدرة المخرج على استغلال الستارة لتصبح  فستانا للفتاة البكماء، وينتهي العرض بأن تحمل العروس باقة الورد. وبالمثل فقد رافقت الموسيقى الغربية العرض وكانت تعزف على إيقاع أداء الشخصيات الذي، والذي بدأ هادئا في تجسيد قضية  ضعف الحوار مع الآخر في ضوء موقف الشعوب الأوربية إزاء القضايا الشرق الأوسطية وغيرها من القضايا التي لا زالت معلقة.


No comments:

Post a Comment