Friday, August 26, 2011

الناقدة الفنية والإعلامية عزة القصابي لـ(شباب عمان)
الرقابة على الأعمال الفنية مهمة، ولكن ليست كافية لتصحيح مسارات العمل الدرامي
·        المسرح العماني لم يبرأ من العروض التجارية
·        الكثير من التحديات التي تواجه الفنان العماني مصدرها مادي
·        المراقب للعروض يجد دور المخرج ضائعًا في الأعمال المحلية
·        المسرح يحتاج إلى مختصين لإخراج سينوغرافيا جمالية ترقى بالعمل الفني
·        آن الأوان للمسرح العماني ليتخلص من أعمال تثقل كاهله بالديكور المنزلي
·        واقع المسرح يؤكد أن هناك اجتهادا لا بأس به و مطبات لابد من التخلص منها
·        أرجو من المخرجين العمانيين لا يخوضوا غمار تجربة، وهم لا يعرفون أسسها
·        الارتكاز على موضوعات مستوحاة من البيئة أو التراث، ليست سببًا في إضعاف النص
·        الرقابة على الأعمال الفنية مهمة، ولكنها ليست كافية لتصحيح مسارات العمل الدرامي
·        خروج فنان المسرح وهو لا يمتلك موهبة حقيقية إلى التليفزيون سيؤثر على مستوى الدراما التلفزيونية
·        هناك  من يفهم التجريب بأنه رفض قاطع لجميع أسس المسرح السابقة، وهذا غير صحيح.
·        ما شاهدته في السلطنة مع احترامي للجهود خلط كبير للمدارس الفنيةوسوء فهم لمعنى التجريب
·        الأعمال التلفزيونية بحاجة إلى ضخ مزيد من خريجي الدراما والعاملين أصحاب الخبرة في هذا المجال
·        المسرح معرض للاندثار أو الذوبان في فنون السينما والتليفزيون والبرامج السريعة

عزة القصابي ناقدة فنية وإعلامية وعضو اللجنة التنفيذية لتطوير الدراما والمسرح العماني الصادرة بمرسوم سلطاني؛ قدَّمت أكثر من 22 ورقة نقدية في المسرح والدراما التليفزيونية ونالت عضوية العديد من لجان التحكيم في المهرجانات المحلية وشاركت في تأليف وإخراج أكثر من 15عملا مسرحيًا وتليفزيونيًا، وتمّ تكريمها مرتين في (مهرجانرواد العرب) بالقاهرة ودمشق وتساهم في إثراء المشهد الثقافي بالسلطنة عبر الكتابة الناقدة والواعية في الصحف المحلية والعربية.. وقد التقيناها لألقاء الضوء على جانب يسير من إشكاليات المسرح والدراما العمانية.. ودار الحوار...

حاورها: ناصر أبو عون
** يشكل النص جوهر العمل المسرحي ولا يمكن لحرفيّة الفنان المتقنة أوحتى الرؤية الإخراجية المبدعة إنقاذ العمل إذا افتقد النص الجيد، وعلى مستوى الحركة المسرحية في عُمان هناك من يرى أنها تعاني من مشكلات في النصوص والافتقار إلى القصة والفكرة والتركيز على موضوعات مستوحاة من التاريخ والبيئة..أين يكمن جوهر الأزمة تحديدا؟
·       يُعد النص إحدى ركائز العمل الفني الثابتة، التي برغم محاولة التجارب الحديثة في عالم المسرح والدراما، التملص منها، ووصف الأعمال الدرامية التي تقتفي  أثر حرفية النص بأنها أعمال تقليدية. وفي الآونة الأخيرة، مالت معظم الأعمال الفنية إلى التركيز على الصورة، ولم تسلم الأعمال السينمائية والتليفزيونية من هذه الموجة، فقد غدت هناك مساحات واسعة من السيناريو، تركز على الصورة، أي تقوم بتوصيف الحدث بينما قل الحوار.
أما في عالم المسرح فقد ظهر مصطلح "الدراماتورج" وهو مصطلح جديد قديم، وهو الشخص المعني بتحليل النص ومعالجته لتقديمه على خشبة المسرح؛ وفي وطننا العربي يغيب "الدراماتورج" ويظهر المخرج المتعدد الأدوار، باستثناء بعض الدول العربية؛ وهذا بدوره أضعف العمل الفني، فهو يكون عادة خاضعًا للاجتهاد، بينما الاحتراف يكون غائبًا عنه، كما أن ذلك يتماثل بالطبع مع الراهن المسرحي العماني، الذي يتخبط في لجة من الاجتهادات، لأسباب كثيرة ...ولا اعتقد أن النص سببًا في ذلك، حيث يمكن للعاملين أن يستعينوا بنصوص خليجية وعربية.
وبرأيي بأن الارتكاز على موضوعات مستوحاة من البيئة أو التراث العماني، ليست السبب  الرئيسي في إضعاف النص... حيث إن  العمل الفني يقوم على الوحدة الفنية ابتداء من الممثل الجيد، القادر على استيعاب دوره بشكل صحيح، والذي يفترض أن يخوض دورات وحلقات تدريبية تمكنه من التعبير الجيد، أما بالنسبة للإخراج فهو أصعب الأعمال في العمل الفني، والذي يتطلب من المخرج أن يكون ملمًا بجميع العناصر الأخرى لكي يستطيع أن يبدع عملا فنيا مميزا.

** ألا تتفقين مع الرأي القائل بأن المخرجين العمانيين ينشغلون بالنص على حساب  الفضاء المسرحي ، وأثقلوا خشبة المسرح بكم هائل من قطع الديكور والإكسسوارات، في حين تخلصت المدارس الحديثة من الديكور الواقعي، ليصبح مخففا وتجريديا؟
·       يعتبر "الفضاء المسرحي" من أهم عناصر العرض المسرحي الجمالية، الذي يخاطب عقل ووجدان المتلقي، كما إنه وسيلة مهمة لإبراز الفعل الدرامي وأبطاله، وهناك كتاب رائع للدكتورة نهاد صليحة يتحدث عن "مساحات الضوء والظلام". ويصف الكتاب  للمخرج أبجديات استغلال الفضاء المسرحي. والمراقب للعروض المحلية يجد أن دور المخرج ضائعًا في الأعمال المسرحية المحلية؛ فنجد المخرج يريد أن يحشد عدد كبير من قطع الديكور على الخشبة، وهو لا يدرك أن كل  قطعة على المنصة ذات دلالة معينة.
ومن وجهة نظري، إنه آن الأوان للمسرح العماني أن يتخلص من الأعمال المسرحية التي تثقل كاهله بكم كبير من الديكور المنزلي، ويسعى إلى الاعتماد  على المختصين لإخراج سينوغرافيا جمالية ترقى بالعمل الفني.

** في ندوة بإمارة الشارقة قدمت ورقة تتضمن العديد من المقترحات لتطوير قطاع الفرق الأهلية للمسارح، لتأصيل هوية المسرح العماني فهل وجدت تلك المقترحات صدى مؤسسي يتفاعل معها؟ أم إنها فقط مجرد إلقاء حجر في بركة المسرح الراكدة؟

·       تعلم أن هناك فرق بين التنظير والتطبيق، وإن كان التطبيق يأتي بعد التنظير ليكون الوضع طبيعيا، لأنه بدون دراسة تظهر الأعمال الفنية بصورة اعتباطية، ويكون الاجتهاد طابعها، ولكن إذا تعمقنا في واقع المسرح في السلطنة، سنجد أن هناك اجتهادا لا بأس به، وفي المقابل هناك مطبات لابد من التخلص منها. وهي تحتاج إلى جهود كبيرة، تبدأ من الفنان نفسه، بحيث يكون لديه رغبة في التغيير من خلال السعي الدائم إلى صقل أدائه الذي يكون سببا في إظهاره بصورة تعسفية، يغيب الاحتراف عنها.
ويمكن أن نلاحظ ذلك لدى الجيل الثاني من الفنانين والصف الثاني منهم وبالطبع أن خروج فنان المسرح وهو لا يمتلك موهبة حقيقية إلى التليفزيون سيؤثر على مستوى الدراما التلفزيونية، فالكثير من الفنانين العمانيين من نراهم على شاشة القنوات الفضائية العمانية هم مسرحيين قبل ذلك.
أما الطرف الآخر المسئول عن ضعف الحركة المسرحية، فهي الجهات المعينة بالمسرح، فالكثير من التحديات التي تواجه الفنان العماني مصدرها مادي، وعدم استقراره، وإذا سألته لماذا لا توجد أعمال مسرحية هذه الأيام، سيقول بأنه أصلا           لا يوجد مسرح لكي نقدم عليه عرضا! باستثناء مسارح الكليات والجامعات التي غالبا ما تكون مزدحمة بالمؤتمرات والحفلات التي ترتبط بالمنهاج الدراسي لهذه المؤسسات التعليمية.

** ظهر شرخ في السنوات العشر الأخيرة بين النقد والممارسة المسرحية يندرج ضمن خانة ما يسميه هانس ليمان بـ(مسرح ما بعد الدراما) وهو يولَّد خطاب أزمة.. هل تؤيدينفي هذا الظرف الآنيّ المزيد من التعاضد والتآزر والتفاعل الإيجابي بين النص والناقد؟ أم إن الوضع يحتاج إلى مراجعة فكرية؟

·       أعتقد بأن الدراما شأنها شأن كافة الأشكال الفنية الأخرى التي تتأثر بالتيارات الفكرية والفلسفية التي يعج العالم بها، ومسرح ما بعد الدراما  أطلقه النقاد على مرحلة معينة من عمر الدراما، وهو مصطلح عليه إشكاليات كبيرة؛ ولكنه في الآونة الأخيرة بدأ يضمحل، في خضم التجارب المسرحية الحديثة، التي أصرت على تكسير القواعد الأرسطية، وابتكار أساليب جديدة تتناسب مع ثورة التقنية الرقمية التي غزت العالم. وأصبح المسرح معرضا للاندثار أو الذوبان في الفنون المرئية الأخرى كالسينما والتليفزيون والبرامج السريعة.


** في العالم العربي باستثناء سلطنة عمان هناك تجارب مريرةمن المسرح الاستهلاكي المعروف بالتجاري هبطت بمستواها نحو  فكرة (الجمهور عاوز كده) جاعلة الربح المادي هدفها الأساس، وهي برغم إنها حققت استقلالها المادي فعلا، إلا أنها أساءت للمسرح ولرسالته الأخلاقية والتربوية والجمالية.. لماذا لم تنجر الساحة المسرحية العمانية نحو هذا التوجه كغيرها من بلدان الوطن العربي؟

·       وأنا أجيب على سؤالك من حيث انتهيت، للتأكيد بأن المسرح العماني لم يبرأ من العروض التجارية، فهناك عروض محلية بدأت تماشي الشارع وتتوافق مع توجهات الجمهور كما هو الحال في المهرجانات التجارية والسياحية، إضافة إلى تأثر  المسلسلات التليفزيونية المعروضة بموجة الأعمال الدرامية التجارية التي البعض منها يعرض على القنوات العمانية حاليا.

** قال المخرج جلال الشرقاوي، خلال ندوة "المسرح والثورة" التي أقامتها الهيئة المصرية العامة للكتابإن الخطيئة الكبرى لوزارة الثقافة كانت فيما يسمى بالمسرح التجريبى والتجريب مطلوب وكان هدفه القضاء على مسرح (الكلمة) الذى يظهر مشاكل المجتمع ويعرى الفساد ويبين علاقة الحاكم بالمحكوم.. ما النصيحة التي توجهينها لشباب المسرحيين حتى لا يغرقوا في التجريب ويتخلون عن مسرح الكلمة؟

·       هناك خلط كبير بين كلمة التجريب والعروض المسرحية الحديثة التي تسخر وسائل التكنولوجيا في إبراز قضية ما، أما التجريب في المسرح فهو موجود منذ قيام أصحاب الكلاسيكية الحديثة بتحرير المسرح من القواعد الأرسطية. والحاصل اليوم بأن هناك  من يفهم التجريب بأنه رفض قاطع لجميع أسس المسرح السابقة، وهذا غير صحيح؛ ويمكن أن نشاهد عروضا مسرحية رائعة تعتمد على الصورة بشكل كبير، في حين تكون هناك عروض تعتمد على النص الحواري وتكون مملة ورتيبة ولا تضيف جديد.
وما شاهدته في السلطنة مع احترامي للجهود المبذولة، هو خلط كبير للمدارس الفنية، وسوء فهم لمعنى التجريب، لأن التجريب أو العروض الحديثة تحتاج إلى مخرج متمكن جيدا؛ وشاهدت الكثير من العروض المسرحية الحديثة لأكثر من دولة عربية وأجنبية، ووجدتها تقدم عروضا يمكن أن نطلق عليها سمة التجريب المدروس الذي يقدم عروض راقية تسمو بذائقة الجمهور.
 وبالطبع أرجو من المخرجين العمانيين لا يخوضوا غمار تجربة، وهم لا يعرفون أسسها؛ ويفضل أن نكتفي بالعروض التي تركز على الحوار؛ نظرا لغياب الاحتراف عن الساحة الفنية المحلية.
** مازالت الدراما العمانية تراوح مكانها وحبيسة المربع الأول رغم ما حققته من نجاحات في أعمال إذاعية وتلفزيونية ومسرحية عديدة، (قراءة في دفتر منسي) ومسلسلات(سعيد وسعيدة)،(وتبقى الأرض)وغيرها، فإنها ما زالت تتطلع إلى آفاق أفضل من التطوير لنقلها من المحلية إلى الإقليمية أملا في الوصول إلى العالمية... سؤال (فانتازي) متى تتوقعين  أن تحدث تلك الانتقالة؟

لا شيء يحدث من الفراغ، فإذا حدثت نقلة في مجال الدراما، فإنها لابد أن تكون تراكمية ومبينة على أسس صحيحة، وفي تقديري  أن الأعمال التلفزيونية بحاجة إلى ضخ مزيد من خريجي الدراما والعاملين أصحاب الخبرة في هذا المجال، فالفن ليس مهنة من لا مهنة له. ومن المهم إلا  نتركه لعبة في أيدي رجال الأعمال الذين يمتلكون المال ولكن يغيب الحس الدرامي عنهم، كما هو الحاصل في المواد الفنية التي تبث عبر القنوات التليفزيونية؛ فالمنتج صاحب رأس المال يضع الهدف المادي أو التسويق في المقدمة؛ لذا يقدم عملا سريعا؛ بالطبع هذا يؤثر على رأي الجمهور، ويتعرض العمل للنقد اللاذع بعد ذلك.

** يلخص البعض إشكاليات الدراما العمانية في تعدد اللهجات المحلية داخل العمل الواحد موسمية الإنتاج أي أن المسلسلات ينتج أغلبها فيرمضان، عدم واقعية الصورة وبالتالي افتقادها القدرة على التأثيرفي المشاهد وفشلها في إقناعه بالمتابعة سواء كانت هذه الصورة تركز علىالجانب الاجتماعي أو التراثي أو التاريخي؟ أين تضع عزة القصابي خطوطها الحمراء لتشخيص المشكلة على نحو صائب وواقعي؟
·       لا أعتقد أن تعدد اللهجات المحلية هو المشكلة؛ ولكن المشكلة في اللهجات الدخيلة على اللهجة العمانية والمصطنعة، بحجة أن لهجتنا العمانية ركيكة ونخجل منها أمام الآخر؛ ويمكن اعتبار هذا مركب نقص في الممثل الذي يستعرض قضية محلية ثم نجد لسانه يلتوي ويتكلم بلهجة أخرى.
وفي تقديري، تكمن إشكالية الدراما التلفزيونية في طرح قضايا حقيقية يعاني المجتمع منها، ولكي يكون الطرح صحيحا، فإنه لابد من وجود ممثلين أكفاء، فليس أي عمل يمكن أن نأتي بخليط عجيب من الممثلين والممثلات لنقدم مثلا مسلسلا تلفزيونيا يبث في رمضان، نظرا لأن الغالبية العظمى من الجمهور العربي والمحلي يتابعون الشاشة بشكل مكثف خلال هذه الفترة، أما بقية الأيام فالناس تكون مشغولة باستثناء ربات البيوت.
لذا فإنه في  الأعمال الموسمية لابد من التركيز فيها، وأن نعمل بجد  واجتهاد إبداعي لإخراجها بالشكل المرضي، واعتقد أن الرقابة على الأعمال الفنية مهمة، ولكنها ليست كافية لتصحيح مسارات العمل الدرامي الذي يحتاج إلى عين المختص الدرامي بشكل كبير، ويحتاج إلى جهد إخراجي كبير.
كما أن الكاتب العماني بحاجة إلى التخلص من القيود الرقابية الكثيرة التي تثقل كاهله،  وتحد من التعبير عن قضايا مجتمعة، فهناك شفافية في استعراض الأحداث  المعاصرة عبر وسائل الاتصال الحديثة في مقدمتها الفضائيات والانترنت، فلماذا لا يكون هناك مرونة من قبل الرقيب؟ وأتمنى أن تخضع الأعمال الفنية بشكل كبير للمعالجات الدرامية التي تقوي العمل، واعتقد بأن الكاتب العماني لديه رقابة ذاتية هو مسئول عنها، وهو ابن هذا المجتمع ويعي ما له وما عليه.