Sunday, June 19, 2011

الروسية(هايبربوريان) عرض الحكمة

  حرص مهرجان القاهرة التجريبي في دورته الثانية والعشرين على تنويع وتلوين المهرجان بثقافات متعددة، لذا لم يكن غريبا أن تكون انطلاقته الأولى مع العرض الروسي(بداية العالم: هايبربوريان) للمخرج (لليف ماتيشينكو) بدار الأوبرا بالقاهرة.
يتمتع عرض (هايبربوريان) بروح عالمية استطاعت أن تستوعب المسارات الفكرية والاجتماعية للجمهور بمختلف شرائحهم ومشاربهم، ولقد اهتم العرض بالرؤية البصرية، بغية رسم صورة مشهدية استوحت عناصرها من عالم الأسطورة الروسية وقضايا الإنسانية. ويتحدث هذا العرض عن بدايات السلالات البشرية في روسيا البيضاء، من خلال التعرض لفكرة (الرحيل) التي  ذكرتها  الكتب السماوية، والتي أشارت إلى أن هذا الوجود سينتهي عندما  يخضع العالم لتقلبات المناخ ويحل المطر و يغطي الضباب الكثيف العالم بأسره .
ويستمد عرض (بداية العالم) عناصره الجمالية والدلالية من مسرح الرؤى (الصورة)، مُسلطا الضوء على الأسطورة الروسية (هايبربوريان) التي تشير إلى أن بداية العالم، كانت في  شمال الأرض، عندما كان الناس يعيشون في سعادة ولا يعرفون معنى الكوارث والأمراض والأحزان، لذا كانت بلادهم مثالية وأشبه بالفردوس المنتظر، نظرا لتضمنها المقومات الطبيعية والحياتية التي تحقق السعادة والاستقرار للناس.
 وقد تبدو الأسطورة الروسية هلامية في تصورها لطبيعة الحياة في  العالم ، خاصة في ظل  اختلاف  النظريات العلمية التي تفسر بداية الوجود. وترتبط  الأسطورة بثقافة شعب معين..         و على الأغلب فإنها تتأول ظاهرة معينة، حسب توقعات ورؤى شعب ما، لذا فإن علماء الميثولوجيا، غالبًا ما يربطون الأسطورة بالشعوب البدائية وتفسيرها للظواهر الطبيعية .
ولقد اهتم المخرج الروسي في هذا العرض بحركة المجاميع الجمالية منذ المشاهد الاستهلالية الأولى، والذي وجد في مسرح الأوبرا مكانا مناسبا، لتقديم عرض يستعرض رحلة  الإنسان في هذا الكون الفسيح . ولقد استغل العرض الفضاء المسرحي الممتد بغية إبراز التشكيل الجمالي لشخوص الممثلين الشباب، والذين كانوا يتشكلون حسب الموقف الدرامي المرئي، وليس المحكي، لذا كانت أنامل المخرج واضحة في تخطيط حركة الممثلين، وتشكيلاتهم التي استطاعت أن تصنع تشكيل سينوغرافي بصري، عزف على لحن الحياة الذي طالما حير الفلاسفة والمفكرين عبر العصور.
واعتمد المخرج (ماتيشينكو) بشكل كبير على المؤثرات الموسيقية، التي حددت توجهات وأهداف الممثلين الأدائية والاستعراضية، حيث تناغمت حركة الممثلين مع أنغام الموسيقى الروسية الحديثة، وجاء الإيقاع الموسيقي العام  أقرب إلى الأداء الاوبرالي الراقص، منه إلى التمثيل الاحترافي.
 كما حرص المخرج على استغلال أعلى خشبة المسرح، الذي  يعتبر مكانا مهما لإبراز  جماليات المنصة، حيث رسمت (سينوغرافيا) العرض رؤية بصرية من خلال التحام مكونات الطبيعة حيث السماء الزرقاء و الأرض الممتدة . كما يظهر الإنسان عبر رحلة الحياة الطويلة باحثا عن مقومات الحياة الضرورية، حيث جسدت اللوحات المشهدية في هذا العرض صراع الإنسان من أجل البقاء، وتوصيف المراحل الزمنية المختلفة التي تمر الشعوب بها ، إلا أن طول مدة العرض وطبيعة الحدث الدرامي الحلقي، وانبهار المخرج بقدراته الأدائية والحركية أوقعته في فخ التكرار. أما على صعيد الأزياء فقد  شكلت الأزياء جزءا مهما في إبراز التشكيلات البصرية للكورس، وهذا جعل المؤدين جزء مكملا للحراك العام للعرض، حيث شكلت أجسادهم ومظهرهم الخارجي، اتساقا جماليا ، قابلا للتشكل والتغير من  لحظة إلى أخرى.

وبشكل عام يمكن القول: إنه على الرغم من انعدام لغة الحوار في هذا العرض، إلا أنه حظي بتفاعل كبير من صالة المتفرجين التي شهدت تصفيقا حادا متواصلا، مما يعني أن الرؤية البصرية استطاعت أن تخاطب الحضور وتجعلهم يتفاعلون معها، بغض النظر عن هوية العرض المقدم. 

No comments:

Post a Comment