Saturday, June 25, 2011

مهرجان الإبداع المسرحي الثالث بصور



     أبت جماعة المسرح بكلية العلوم التطبيقية بصور إلا أن تكون حاضرة في  المشهد المسرحي العماني والذي تزامن مع احتفالات سلطنة عمان بالعيد الوطني الأربعين، حيث توهجت خشبة مسرح الكلية بأربعة  بتقديم عروض مسرحية، وهي: الملك هو الملك، ورثاء الفجر، وأوراق مبعثرة، ومعزوفة التمرد .

     محظوظة تلك الكوكبة الرائعة من الطلبة العمانيين، التي احتضنها مسرح كلية العلوم التطبيقية بصور، لتبدع وتقدم عروضا مسرحية، اتشحت بوهج الشباب وحماسهم، لذا كان لابد من التوقف أمام هذه التجارب ومحاولة التواصل الركحي معها بشيء من التفصيل.


أولا: عرض مسرحية (الملك هو الملك)
 على الرغم من مشاهدتي لهذه المسرحية لأكثر من مرة، إلا أن أساليب ومدارس إخراجها تفاوتت بين تجارب الهواة والمحترفين، في حين اتفقت في استعراض الموضوع الذي بهر المبدعين والفنانين لتجارب العملاق المسرحي السوري سعدالله ونوس، وقلمه المسرحي السياسي الذي يداعب الروح البرشتية الملحمية في معظم روائعه المسرحية المقدمة على مستوى الوطن العربي.

ولقد اجتذبت عوالم نص (الملك هو الملك) الطالب أحمد البريكي، التي تباينت في استعراض الصراع على السلُطة وتعدد الشخصيات التي تحكم مملكة سعدالله ونوس، حيث جسد الشباب المشاركون التداخل الواضح بين واقع الأسرة البسيطة التي تعيش على هامش المجتمع وبين بلاط الملك الذي أصر على سبر أحوال رعيته بعدما أخفق وزيره في نقل واقعها، وفي النهاية يتنكر (الملك) ويرتدي ملابس الدهماء من الناس، ليتمكن من الوقوف على أحوالهم   التي طالما حجبتها بطانته عنه.

وعلى الرغم من محاولة الشباب لقراءة النص، وإعداده إلا أن خط الحدث الرئيسي فلت من سيطرة المعد، مما جعل كثيرا من التفاصيل تغيب عنه، الأمر الذي أضعف الترابط المنطقي بين المشاهد.
وكما هو معروف ميل ونوس إلى مسرحة التراث بأشكاله المختلفة، وسعيه لإيجاد دوائر حلقية داخل النص المسرحي، حيث يتضح للمتفرج بأنه يشاهد مسرحية داخل مسرحية أخرى، وهذا الشكل أقرب إلى القصص التراثية التي يرويها الراوي أو الحكواتي، و تقوم الشخصيات في هذا النوع المسرحي عادة  بتقمص الأدوار والانسلاخ منها. وقد تتصالح الشخصيات الحقيقية مع الشخصيات الأخرى، مثلما هو الحال في هذه المسرحية، عندما قرر (أبو عزة) الدخول إلى عالم القصور وانتحال شخصية (الملك)، في حين (الملك) تقمص شخصية (أبو عزة) المواطن البسيط في مملكته، مما جعل الأحداث في هذا العمل  تقع في دوائر حلقية متسلسلة ومتتالية، عزفت على وتر الفرجة المسرحية، التي طالما شغلت بال المهتمين بتأصيل مسرح عربي، يوظف التراث والتاريخ العربي مضمونا وشكلا.

 ولقد وقع هذا النص المعد في مطبات كثيرة، يصعب تأويلها، ومن ضمنها الاختصارات الكثيرة للنص التي حالت دون وضوح رؤية المؤلف، كما هو الحال عندما قابل الملك الحقيقي ابو عزة والذي ينتحل شخصية الملك. مما أوقع المشاهد في لبس وتساؤل..بغية معرفة، لماذا لم تتعرف الشخصيات القريبة من الملك كالوزير والحاجب عليه؟ ولماذا يتعامل الناس مع (الملك) ككرسي عرش وليس كقائد؟.. فالذي يجلس على كرسي العرش هو الذي يملك زمام الحكم، وليست مهما من يكون!!..ولابد من الاعتراف، أن إخراج مثل هذا النص من الصعب بمكان، نظرا لطبيعة المسرح السياسي الملحمي الشائكة، لذا فإن خوض هذه التجربة المسرحية تعتبر مغامرة بحد ذاتها.

وهناك اجتهادات ادخلها فريق العمل، مثل لوحة (خيال الظل) والذي  يعتبر شكلا من أشكال الفنون الشعبية المستلهمة من التراث العربي الشعبي. ولقد ظهرت لوحة (خيال الظل) في مقدمة خشبة المسرح، بقصد تلخيص مقاطع من حياة الملك وما يدور في بلاطه، إلا أنه كان  يفضل نقل تلك اللوحة إلى عمق المسرح أو على جانبيه...خاصة في ضوء اكتظاظ خشبة المسرح بقطع الديكور الكثيرة، وفي الوقت ذاته فإن صغر خشبة المسرح حد من حركة الممثلين، وجعل الحركة محصورة في منطقة معينة، وكان يمكن التقليل من قطع الديكور وإتاحة الفرصة للممثلين للتنقل والحركة.


جدير بالذكر أن هذا العرض من بطولة راشد المقيمي في دور الملك، ومحمود الغافري في دور الوزير وسعيد الوهيبي في دور ميمون وأحمد المخيني في دور مقدم الأمن ومحمد الصوافي في دور الإمام طه وعلى الغيلاني في دور عبيد ومحمد الخليلي في دور ابو عزة وفيصل السلماني في دور عرقوب..


ثانيا: عرض مسرحية (رثاء الفجر)

      ثاني التجارب المسرحية التي قدمت على خشبة مسرح كلية العلوم التطبيقية بصور، مسرحية (رثاء الفجر) للكاتب العراقي المعروف قاسم مطرود، الذي حظيت نصوصه المسرحية بشعبية واسعة من قبل المسرح الجامعي في سلطنة عمان، إلى جانب تقديم نصوصه في مسارح المحترفين خاصة  الفرق المسرحية الأهلية، وعلى سبيل المثال قدمت فرقة مزون الأهلية المسرحية عرض مسرحية (رثاء الفجر) لأول مرة خلال مهرجان المسرح العماني الأول عام 2004م، كما شاركت الفرقة بهذا العرض في أكثر من مهرجان مسرحي خارجي.

ويبحث عرض مسرحية (رثاء الفجر) في دائرة الغيبيات والموت، وذلك من خلال رحلة الزوجة المصيرية التي اعتادت القيام بطقوسها الموسمية، حيث دأبت على زيارة قبر زوجها ليلة العيد، بصحبة البخور والعطور. وتتضمن دائرة الغيبيات (بعد الحياة ) أبعادا فلسفية عميقة، تنقب في الذات حينا، وتلتحم بالرمز حينا آخر. وخاصة عندما يخرج الزوج من قبره ويتحدث مع زوجته، بينما يدور حوار  يدل على أن العلاقة بينهما لن تنفصل عقب صعود روح الزوج إلى السماء. لذا فهي ألفت الحديث معه وزيارة قبره، لإخباره بأدق تفاصيل حياتها، وتشعره بمعاناتها ووحدتها! ..فهي تبكي وتتألم على  أطلال الماضي وتناجي روحه الغائبة الحاضرة !

ولقد استطاع العرض أن ينسج من ثيمة (الموت) تركيبة مثيرة للجدل، وذلك من خلال  الزوجة التي حرصت على زيارة زوجها، حيث ظلت تكن له الكثير من التواصل والتعاطف بعد موته..والأغرب أنها كانت تحلم باليوم الذي تنتقل روحها بجانبه.. كما تبكي الزوجة ابنها الذي استشهد في الحرب، ولم تتبق لها سوى بدلته العسكرية التي علقت فوق قبره وكأنها نصب تذكاري يرفض النسيان.

ولقد ركز هذا  العرض على الحوار بين الشخصيات، والبحث عن نقاط التماس بينها، خصوصا بين شخصيتي الزوجة وشبح الزوج..فيما ظهرت شخصيتا "حفار القبور" في بداية المشهد، واللذان سرعان ما تواريا عن الأنظار. وكان من الممكن التخلص من هاتين الشخصيتين لأنهما لم يؤثرا على الحدث العام.  في حين يمكن التركيز على شخصية الزوجة وروح الزوج في رسم البُعد التراجيدي الذي يعبر عن الفراق  والمعاناة، وخاصة بعد فقدان  ابنهما الشهيد في الحرب.


 ولقد حاول طاقم العمل الطلابي رسم السينوغرافيا التي التحم فيها الرمز بالواقع، وإن كان المخرج لم يستطع الفصل بين المنطقتين عالم الأحياء والأموات، حيث جعل شخصية الزوجة ترتدي زيا أقرب إلى زي الرجل الميت، مما أوقع  المشاهد في لبس وتساؤل في فهم  ما يدور أمامه، هل  يقع في إطار عالم (الأموات) أم (الأحياء)؟!

وإلى حد ما حاول منفذو الديكور الاقتراب من واقع المقابر المألوف، برغم من استهلال العرض بظهور (روح الزوج) وهي تحلق من صالة المتفرجين باتجاه خشبة المسرح، حيث خططت مكان القبور الثلاثة وبجانبها الشجرة ...وهناك جدار المقبرة الذي التصقت به شخصيتان تمثلان الشخصيات المرتزقة التي تعيش على هامش المجتمع... ومن جانب آخر ساعدت الإضاءة في رسم حركة الممثلين، إلا أن الإظلام السريع وفتح الإضاءة بشكل مفاجىء لم يخدم العمل، وكان يفترض توظيف الإضاءة  بطريقة تبرز الفعل  الدرامي الأكثر تأثيرا على الجمهور .

هذا العرض بطولة نخبة من الطلاب الهواة وهم ، أحمد البلوشي ومريم المقبالي ومحمد الصوافي وموسى البلوشي وسعيد الوهيبي وسلطان البريكي وعلى الغيلاني 




ثالثا: عرض مسرحية (أوراق مبعثرة)

وفي التجربة المسرحية الثالثة، تواصل عطاء الشباب بغية تقديم عرض مسرحي مستوحى من مينو دراما (المواطن) للكاتب قاسم مطرود، ومن إخراج الطالب موسى الناصري. وكعادة قاسم مطرود في كتاباته المسرحية فإنه عادة ما يفضل البحث في أعماق شخوصه عن شيء يحدده سلفا، عندما يرسم شخصياته القدرية، وفي الأغلب فإنه يسعى إلى  ملامسة همها الذاتي قبل القومي.

 وفي عرض  مسرحية (المواطن) طرح  مطرود معاناة شخص يبحث عن وظيفة أو فرصة عمل، بينما الأبواب كانت تغلق أمامه...هكذا بدت الحياة في نص مسرحية (أوراق مبعثرة) كما شاءت معدة العرض سناء الهدابية أن يكون عنوانا لهذه المسرحية، بعد إعدادها مع الإبقاء على الفكرة الرئيسية لنص (المواطن).

وعلى الرغم من اكتظاظ خشبة المسرح بالديكور في العروض السابقة، إلا أن عرض مسرحية(أوراق مبعثرة)، أبى إلا أن يبعثرها  ليوجد مساحة بصرية جمالية على امتداد الركح، الأمر الذي أعطى الممثلين فرصة للحركة والتنقل بسهولة. حيث أنه لا توجد على خشبة المسرح سوى شجرة وأوراقها الخريفية، بالإضافة إلى (مقطع حديدي فاصل) يمكن للكورس من الدخول والخروج منه، بالإضافة إلى (عمود الإنارة) الذي كان يوجد في منتصف خشبة المسرح.  

ولقد ساعد الفضاء المسرحي الواسع  في زيادة الحركة لدى الممثلين المشاركين، وأسهم  في إبراز التشكيلات الجماعية التي كان يؤديها الكورس. كما برزت الشخصية الرئيسية التي كان يؤديها الطالب محمود السبع، والذي استطاع أن يستغل قدراته كممثل للتعبير عن معاناته الذاتية، برغم اصطدامه بعقبات عدة، إلا أنه كان يبحث عن فرصة عمل مناسبة، والذي مُنيّ بخيبة الأمل وقوبل بتأنيب الأهل، لذا كانت حالته النفسية  في تدهور مستمر إلى انتهى به المطاف إلى مقابلة الطبيب النفسي، ليتحدث عن ذاته، ويبحث عن الحلول التي تتيح له أن يجمع أوراق حياته التي تبعثرت مع الزمن!

وظفت الموسيقى التصويرية في هذا العرض  لخدمة الفكرة الأساسية لقضية الرجل أو الشاب، الذي كان يبحث عن همومه الصغيرة والتي كبرت معه، كما رسمت الإضاءة تنقلاته وحركته في الخشبة، إلا أن ترك عمود الإنارة  مضاء قلل من تأثير البقعة الضوئية المسلُطة على الشخصية المحورية. ومن جانب آخر ظلت كواليس المسرح من الجانب الأيمن مضاءة مما أضعف الرؤية البصرية الركحية ...بالإضافة إلى استخدام الإضاءة السريعة العاكسة لفترات طويلة أيضا كان له تأثير سلبي في تحديد حلقات الفعل المسرحي.

وهذا العرض المسرحي من بطولة محمود السبع في دور الرجل، ومحمد الصوافي في دور الأب وخليل الرحيلي في دور الدكتور، وبالإضافة إلى مجموعة الكورس التي تضم إبراهيم الجابري والحسين القلهاتي وعلي الغيلاني وجاسم البطاشي.

رابعا : عرض مسرحية معزوفة التمرد

في التجربة المسرحية الأخيرة كان الجمهور المتابع على موعد مع تجربة مسرحية أخرى عزفت على الواقع المعاش، وأرادت أن تتمرد، لذا دعتنا إلى مدينة يعيش الناس فيها وفق قانون التمرد، من خلال العرض المسرحي (معزوفة التمرد) للمؤلفتين سناء الهدابية ورقية الفورية، وللمخرج الطالب أحمد الجابري.

لعل من الأمور التي شغلت بال الإنسان منذ أن وجد على هذه البسيطة، البحث عن العدالة الضائعة بين الناس، فما بالك بالعدالة التي بحث عنها فريق عمل (معزوفة التمرد)  في قرية التمرد المزعومة، والتي ضمت مجموعة من العازفين الذين حاولوا أن يتعرضوا لقضايا الحياة وضياع الفرصة واستغلالها من قبل الآخرين الذين يجيدون لغة التملق، كما أن  الوصول إلى الزعيم كان يتطلب الكثير من التنازلات التي فرضتها بطانته، وأصبحت مألوفة لدى الجميع! 

    وتضمن نص (معزوفة التمرد) عددا من الإسقاطات العصرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ليتضح للمشاهد في النهاية أن ما يدور  في قرية المتمردين ما هو إلا نموذج مصغر لما يدور في هذا العالم أجمع  الذي ضاعت الفرص فيه، وأصبح الذي يمتثل لقيمه ومثله لا مكان له، بينما الذي يتملق وينافق هو الذي يعتلي المناصب، وبذلك خلصت  هذه المسرحية إلى تأكيد ضياع القيم النبيلة في عالمنا.

و جسد (ديكور) العرض المسرحي أروقة قرية المتردين التي تعالت فيها صيحات الباحثين عن فرص، وعزفت على أوتار الحياة التي ضاعت حقوق الناس فيها، كما  ترجمت (الأزياء) عالم الشخصيات التي افترضته الكاتبتان، وأرادتا التعبير عن مضامينه عن معاناة الشخصيات وخصوصا المحورية منها لتبيان صلتها بالواقع...في حين أسهمت (الموسيقى) التصويرية في تضخيم الحالة النفسية لدى الشخصيات، كما أنها ساعدت على رفع الإيقاع العام للعرض المسرحي المقدم.


وفي الختام هناك مجموعة الملاحظات، يمكن أجمالها كالآتي:

* ضرورة الاهتمام بالنصوص المحلية التي تناقش قضايا المجتمع العماني، إلى جانب الموضوعات المستقاة من التاريخ والتراث العماني.

*  أهمية توظيف أدوات الممثل الحقيقية، ويكون ذلك كالتالي:
1.  تعميق الإحساس الداخلي لدى الممثل بما يمكنه معايشة الدور بشكل صحيح.
2. استخدام تعبيرات الوجه والتعبير الجسدي والذي يعتبر في أحيان كثير أبلغ من الحوار السردي المتواصل.
3. ضرورة الاهتمام بالإلقاء المسرحي والمخارج الصوتية لدى الممثل، ويمكن إشراك المتخصصين في مجال اللغة العربية لتدريب الطلاب على النطق اللغوي السليم.
4.  أهمية التلوين الصوتي لدى الممثل، بحيث يمكن استخدام النبرات الصوتية المناسبة بما يتوافق مع الدور المؤدى.

* الاهتمام بالفضاء المسرحي في العروض المقدمة، بحيث لا يثقل الطالب خشبة المسرح بكم هائل من قطع الديكور والاكسسوارات، الأمر الذي من شأنه أن يعرقل حركة الممثلين على الخشبة. ولقد تخلصت المدارس الحديثة في عالم المسرح من الديكور الواقعي، وأصبح الديكور مخففا وتجريديا، وفي أحيان كثيرة  لا يتعدى قطعا بسيطة.

* الاهتمام بأزياء الممثلين بما يتوافق مع طبيعة الأدوار المقدمة، وتوحيدها في العرض والاهتمام بالتناسق اللوني وربطها بالبُعدين التاريخي والاجتماعي للشخصيات.

* توظيف التقنية في المسرح، ويمكن ذلك بإدخال الحاسب الآلي في عمل تشكيلات بصرية على مستوى الديكور والسينوغرافيا التي تخدم الفكرة الأساسية للعرض، ولا تكون مجرد إضافات.

*  الاستعانة  قدر الإمكان بمتخصصين في مجالات المسرح المختلفة كالتأليف والإخراج والتمثيل والتوجيه عند الشروع لإخراج الأعمال المسرحية الطلابية. وكذلك التنظيم لعقد دورات أو حلقات العمل في مجال المسرح  حتى ولو لفترات قصيرة كل عام، على أن تعطى أولوية الحضور لأعضاء جماعة المسرح.





 

No comments:

Post a Comment