Monday, June 20, 2011

سكة على ظهر النيل

    يمثل الاقتصاد العصب الرئيسي في الحياة السياسية والاجتماعية في العالم أجمع، وفي الغالب عادة ما تقف الإمكانيات المالية عقبة دون  تحقيق طموحات الناس وآمالهم المرجوة.

هذا ما حاول عرض مسرحية " سكة على ظهر النيل" للفرقة القومية السودانية، للمؤلف والمخرج: ذو الفقار حسن عدلان، طرحه بنقد ساخر، يفضح الكثير من الأحلام المعلقة للشعب السوداني، التي على ما يبدو أنها ضاعت  عند مفترق سكة الحديد. ومن سمات المسرح السوداني الذي يعود تاريخه إلى عام 1902م، إنه  يطرح الموضوعات الاجتماعية والسياسية التي تعبر عن حياة الشعب وتعكس التنوع الثقافي والأيدلوجي فيه.

وفي عرض مسرحية " سكة على ظهر النيل"  يتضح  بأن الجمهور على موعد السفر عبر سكة الحديد ولكنها على ظهر النهر!... تخلل تلك الرحلة نقد ساخر للأوضاع الاقتصادية والاجتماعية  المتفاقمة فيه، والتي جعلت  الناس مجرد وسيلة اقرب إلى  سكة الحديد  التي تستهلك من قبل المستثمر الأجنبي الذي يسعى  لتحقيق مآربه المالية،  دون أدنى مسؤولية.

بالرغم من نمطية الشخصيات وطبيعة المضمون الذي يعتمد على الحوار السردي، إلا أن المؤلف والمخرج "عدلان" استطاع أن يرتقي بالمضمون، ويحوله إلى عمل تعبيري في بعض مشاهده من خلال الاستعانة بالكورس الاستعراضي الغنائي، بغية  النهوض بالحدث وتشكيله، حيث انقسم الكورس إلى قسمين، إضافة إلى الممثلين الذين يجسدون معاناة الشعب المطحون بجميع شرائحهم المختلفة.

عانى العرض كثرة الشخصيات التي كانت تتبادل الأدوار  مع الآخر  بصورة تقليدية، وكانت  تؤدي مقاطع حوارية وغنائية قائمة على السجع اللفظي الأقرب إلى الشعر النبطي المحلي، فيما ظلت هناك أربع شخصيات ثابتة، تتحدث  عن أوضاع الحياة البائسة، فالجميع  كان ينتظر الخير الذي ستأتي به سكة الحديد.

 استرسل العرض في توصيف الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها  المجتمع السوداني،  حيث حرصت المشاهد المتتابعة على إبراز  عدد من القضايا، مثل :  غلاء المعيشة، وارتفاع أسعار مستلزمات الحياة  اليومية؛ الأدوية والوسائل التعليمية.. إلى جانب تردي الأوضاع  في المؤسسات الخدمية  والحكومية مثل:  انخفاض الرواتب وزيادة جرعة المحسوبية في الترقي وفي المقابل  ضياع حقوق الطبقة  الكادحة التي تعمل بجد واجتهاد.

واستمرت  سكة الحديد في السير على  خشبة المسرح، بغية  تكثيف الأحداث  الدرامية التي تجسد  تردي الأوضاع  الحياتية  للناس، إضافة إلى الانفلات الأمني، نتيجة التساهل مع المستثمر الأجنبي، مما كان له الأثر السلبي في نشوب حرب أهلية، فالمستثمر الذي يسيطر على سكة الحديد، استطاع أن  يحقق  مآربه  الاقتصادية، بينما ضاع الأمان والاستقرار النفسي لدى ركاب سكة نهر النيل.

على الرغم من العرض أثار الكثير من الموضوعات المأخوذة من الملف السوداني اليومي، إلا أن طول مدته، جعلت المشاهد يشعر بالممل، حيث كانت الشخصيات تتحدث بسرعة وتستعرض الموضوعات بطريقة مباشرة ، دون أن تعطي فرصة للجمهور للاستنتاج والتفكير . ولقد حاول  المخرج أن يكسر الممل الناتج عن الحوار السردي، بحركة المجاميع الاستعراضية التي كانت تتحرك بسرعة سكة الحديد، لتسرد واقعها  المرير على غرار الحدث الحلقي، الذي لا يلبث أن ينتهي حتى يبدأ مرة أخرى.

كما أن إسهاب الشخصيات في  الحوار جعل "الرؤية  البصرية " للعرض المسرحي  يتصف بالثبات، فهناك ديكور ثابت طيلة العرض، بينما الشخصيات تتابع سرد مواقف الحياة من خلال شخصيات من عامة الشعب .  وهذا الثبات أثر أيضا على الإضاءة التي ظلت مستقرة  على مستوى واحد ...دون أن يتغير لونها أو درجتها  من مشهد إلى آخر...كما كانت المشاهد تظلم من عرض إلى آخر دون أن يكون هناك مبرر حقيقي..  في حين اتفقت  رؤية  المخرج  الضوئية مع المؤثرات  الموسيقية في العرض، والتي كانت جميعها  تعزف على أوتار الحياة الصعبة التي تؤرق حياة الناس وتقض مضجعهم.
       وبذلك يندرج  هذا العرض ضمن العروض المسرحية  التقليدية  الثابتة في أجندة المسرح العربي، والذي يبجل الكلمة، في حين ينخفض صوت المخرج فيها، نتيجة كثرة التفاصيل والقضايا التي يعج النص بها ، والتي يبدو أن المخرج لم يستطع التملص  من شخصية المؤلف ، في حين أرهق ذلك الجمهور  نتيجة  طول فترة العرض  الذي  استمر في الدوران بسرعة  سكة الحديد لمدة ساعتين، ولكنه استطاع أن يعكس آمال وطموحات الشارع السوداني.

No comments:

Post a Comment