Sunday, June 19, 2011

العرض العراقي / دائرة العشق البغدادية

     في دائرة لا تخلو من المغامرة وحس التجريب الذي يبحث عن الجديد، عايشت النخبة المسرحية في مهرجان القاهرة  التجريبي في دورته الثانية والعشرين، تجربة إبداعية مسرحية من خلال العرض العراقي (دائرة العشق البغدادية) للفرقة القومية للتمثيل العراقية، وهو  من تأليف وإخراج عواطف نعيم.

بالرغم من أن العرض مستلهم من مسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) لبرشت، إلا أنه ركز على معاناة الشعب العراقي قبل الاحتلال وبعده...حيث كان الشعب الضحية الأولى، بعد أن فرت القيادات الحاكمة عنه، وبقى السواد الأعظم من الشعب مشتتا بين الهجرة والبحث عن الأمان والاستقرار وبين الدفاع عن وطنه. وناقش هذا العرض قصة الأمين اللتين يدور بينهما صراع حول أحقية أمومة الطفل.. وهذا ما حدث أيضا بالنسبة للوطن الذي كان ضحية للضياع وعدم الاستقرار السياسي والصراعات الداخلية  المتأزمة، لذا أصبح (الوطن أو الطفل) هو قربان النذر الذي قُدِم للمحتل والطامع، وفرار الراعي عنه!

ومنذ المشاهد الاستهلالية للعرض المسرحي، فإن الحضور تفاجأ بأنه أصبح جزءا من اللعبة المسرحية، حيث أصر العرض على كسر (العلبة الإيطالية)، ليشق لنفسه مسارا تجريبيا يخالف المألوف، وخاصة إذا علمنا بأن المشاهد سوف يكون بصحبة فريق عمل مسرحي احترافي لمدة ساعة من الزمن، بغية العزف على الوجع العراقي القومي، من خلال الشخصيات التي التمست من الشكل البرختي الملحمي، وسيلة لتوصيل رسالتها التي لا تخلو من الخطاب السياسي في معظم مضامينها، لذا حرص (القاضي) وتابعه على التغني بالمواويل العربية التي تبكي على الرعية  بعد تدهور أحوالهم .

كما يسرد عرض (دائرة العشق البغدادية)  تفاصيل حادثة اختطاف الطفل، ثم تركه وحيدا، ومحاولة الاستيلاء عليه من الأيدي التي اعتنت به وأولته جُلّ الاهتمام أثناء وحدته. وهو يجمع بين التراجيديا المغرقة في السوداوية، وبين ومضات الكوميديا التي تسللت خلسة على لسان الشخصيات، وخاصة عندما امتزجت اللغة الفصحى مع العامية الدراجة، مما أوجد نوعًا من التباين المضحك المبكي!

ولقد رسمت المخرجة والمؤلفة دائرة الصراع  الحلقي  عبر سلسلة من الأحداث الدرامية الساخنة، التي تضمنت النزاع حول  أحقية  الطفل بين المربية والأم. وتُعد قصة الأم                   و (المربية) من القصص  الشائعة  في الوطن العربي، وذلك لارتباطها بالقصص التراثية والدينية، إلا أن هذا العرض كان عرضة للإسقاطات السياسية، نتيجة الأوضاع المتردية في العراق، من خلال مناقشة القضية القومية البغدادية بعد الاحتلال ، والهروب من  الوطن  بعد نهبت خيارته، ثم أتت جهة أخرى أو سُلُطة أخرى لتتحكم في مصير شعبه.

ولقد ظل الجدال والمساومة حول أحقية الوطن أو الطفل محور اهتمام شخصيات العرض، والذين  تفاوت أداؤهم بين التمثيل وتقمص الأدوار المقدمة، حيث ظهرت شخصية (القاضي)  الذي يقف وسط صالة المشاهدين .. إضافة إلى الشخصية المكملة(التابع) التي شاطرت القاضي الرأي لتتحدث عن أحوال الشعب الآنية، والتي تتحول هذه الشخصية إلى قاضٍ أحيانا، خاصة عندما يتم التحكم بمصير الطفل الضحية.


تجدر الإشارة، إلى أن العرض ألتمس قوته الدرامية من الحدث الدرامي المبطن بالهم السياسي للواقع العراقي الراهن، ومن أداء الشخصيات التي استطاعت أن تصعد الإيقاع الدرامي، مثل أداء الفنان القدير(عزيز خيون) ، والذي يتمتع بقدرات فذة على مستوى الأداء والإلقاء والاستعراض الحركي، وبين بقية الشخصيات وخاصة الفنانة (آلاء حسين) التي استطاعت إيجاد  نوع من  الاتزان بين المنصة والصالة، نظرا لأهمية دورها و تمتعها بقدرات أهلتها لأداء دور الأم التي كانت تطالب بحضانة الطفل، والذي فر الجميع عنه وقت الأزمات والحروب، في حين إنه كثر الطلب عليه في وقت الرخاء والاستقرار.

و قد قامت الفنانة (سمر محمد) بدور امرأة الحاكم التي تركت طفلها بعد احتلال المدينة. كما برزت في هذا  العرض بعض الشخصيات التي أهلتها طبيعة أدوارها لتقمص أكثر من دور، والتي كانت تسرد لوحات عدم الشعور بالأمان والاستقرار، حيث يسود الحرب ويتسلل الجنود والجواسيس ..بالإضافة إلى ظهور السُلطة أو المرأة الحاكمة التي تدعي بأنها أم للولد .
 وهكذا يظل العرض في تغير وتحول ليس على مستوى الشخصيات والأحداث، وإنما  على مستوى الأداء والسينوغرافيا العامة، ولكن الثقل الأكبر والرهان الحقيقي كان على مستوى أداء الممثلين. ولكن هذا لا يمنع بأن هناك بعض المؤثرات الموسيقية والصوتية كأصوات الرياح والمطر والحرب التي أوحت للمشاهد بتغير الأحوال وضياع الوقت، وكانت عنصرا مهما في أكمال لوحات العرض.

 ومن جانب آخر، لعبت  الأزياء دورا مهما في التشخيص وتقمص الأدوار،  وساعدت المخرجة على مسرحة الأدوار أمام أنظار الحضور. مما يدل  على مقدرة المخرجة على انتقاء الأزياء المسرحية، حسب المشهد المسرحي بسرعة فائقة لا تتعدى بعض ثوان، تكون من خلال الشخصيات التي تحولت لأدوار أخرى.

كما اتضحت اللمسات الإبداعية للعرض من خلال محاصرته تقنيا، نظرا لأن الجزء الأكبر منه كان يدور في وسط الصالة، حيث كانت هناك شاشتان على يمين وعلى يسار المشاهد، بحيث يتمكن الجمهور من الرؤية الجانبية للحدث الدرامي الذي يقع وسط صالة المشاهدين.




No comments:

Post a Comment