Monday, June 20, 2011

جلسة سرية على المسرح

  بدءا من التجارب المسرحية التي حرصت على تلمس الوجع السياسي المبطن في الكثير من الدول العربية، والذي بدأ في الثوران في وقتنا الرهان، جاء عرض مسرحية (جلسة سرية) الذي هو من إعداد وإخراج علاء قحطان لمسرحية (جان بول سارتر) لفرقة مسرح بغداد للتمثيل، وهذه المسرحية كتبها سارتر قبيل الاحتلال النازي لفرنسا، فهل هناك علاقة بين الوقت الذي كتبه سارتر لهذا العرض (الوجودي) وبين الوقت الحالي الذي أخرج فيه قحطان  وربطه بواقع  الشعب  العربية عامة والشعب العراقي خاصة.

 وكما هو معروف ميل (سارتر) إلى الوجودية، التي تناقش مختلف  القضايا الإنسانية بعيدا عن الديانات السماوية، فهو في أغلب الأحيان يبحث عن أسئلة وجودية ويجيب عليها بطريقته، لذا ليس غريبا، أن نجده يفترض أن ما يقع للإنسان من شرور وظلم من الآخرين يعتبره (جحيما) وأن أعمال الآخرين السيئة-حسب رأي سارتر- ترتكب في الجحيم داخل الجلسة الشريرة المفترضة.

وسعى المخرج قحطان إلى تضخيم الفعل النازي الشرير، وما يمارسه من عنف وسطو وتعذيب عبر شاشة سينمائية مساعدة تقع على جنبات الخشبة، بعد أن استهل العرض بعرض لقطات نادرة لتصريح سارتر حول آرائه وفلسفته الوجودية، ويؤكد أن المسرح هو الوثيقة العُظمى التي تسجل التيارات الفكرية والسياسية العالمية التي تلقي بظلالها الكثيف على الأجناس الأدبية والفنية، وتخرج على شكل روائع تتناقلها  الأجيال وتخلدها المجلدات .

إن المتابع للعرض يجده يتضمن الكثير من الدلالات والمعاني التي تنسجم مع  فلسفة سارتر، وتعكس أهداف المخرج من خلال تقديم عرض مثل هذا، خاصة  في ظل الظروف الحرجة للواقع العراقي الراهن.

وفي البداية يظن المشاهد بأنه داخل معبد(لاهوتي) حيث الكاهن والشخصية المحورية للعرض، والتي لا تملك حق القرار في التعبير عن ذاتها، لذا فإنها تظهر مقهورة ومغلوبة على أمرها، بفعل شخصية الراهب المُتسلط، الذي يمارس القمع عليها بكل جبروت وطغيان وبدون رحمة!

وحاول العرض عكس العذاب والألم الذي تتعرض له الشخصية الأساسية على الواقع العراقي الحالي، والذي يعاني العديد من الانتكاسات الداخلية والخارجية، وذلك من خلال رؤية إخراجية تحريضية تُحمل من الهم السياسي الكثير والكثير...الأمر الذي لو عايش سارتر ذلك ، لعبر عنه بصورة أكثر تأثيرا على واقعنا الحالي.

جميع الشخصيات التي جسدت الأدوار في العرض عكست فكر سارتر وبدت مشحونة بالكثير من الدلالات والرؤى الغريبة، فهي شخصيات ناقلة لرؤى وتيارات فكرية معينة، وهي شخصيات مسحوقة قابعة في قاع الجلسة السرية التي ظلت مستمرة، لذا اختفى الصراع التقليدي ليتحول إلى صراع داخلي لدى الشخصيات، حتى يحسب المشاهد بأنه أمام شخصيات تصارع ذاتها وأفكارها التي آثرت ألا تنتهي، وحتى عندما تظهر (المرأة) فإنها أيضا تكون في صراع مع الرجل تارة ومع الكاهن تارة أخرى.  هكذا بدا العرض مشحونا بالعديد من الأفكار التي عكست واقع فريق العمل،  من خلال شخصيات مقهورة ظلت تعاني من واقعها السياسي حتى آخر لحظة.

ولم تكن أزياء الشخصيات بعيدة عن الانتقال بين واقعها الأيديولوجي الذي فرضه سارتر عليها، بين لمسات المخرج الذي حاول العزف على قضاياه الراهنة في جلسته السرية، ولكنها جماهيرية قدمت لمحبي المسرح، وأصر على إخراجها برغم فكرها المركب.  وبالمثل فإن الأداء جاء ممثلا لمضمون العرض، وهو من بطولة نخبة من الفنانين العراقيين هم: الفنان هشام جواد وحيدر جمعة  وأحمد صلاح الدين  وريتا كاسبار و قائد عباس و أحمد إبراهيم .

No comments:

Post a Comment