Monday, June 20, 2011

العرض الأردني/ السجون

كدأب المخرجة الأردنية مجد القصص، فإنها عادة ما تحرص على  كسر النمطية المعروفة في عالم  المسرح العربي الحديث، لذا كان التجريب راهنها الأول، والقضايا القومية العربية التي تحاصر الإنسان العربي عنوانا لعروضها . و جاء عرض (سجون) بعد أربعين عرضا مسرحيا سابقا قدمتها المخرجة، للتأكيد على مقدرة المسرح العربي على استيعاب  قضاياه القومية التي تعسر ميلادها على رموزه السياسية الحالية.

وبدت معادلة التجريب في التعبير عن الموضوع، معادلة صعبة، خاصة في ضوء افتراض مجموعة من السجون التي تحد من حرية الإنسان العربي، ابتداء من لحظة ميلاده إلى أخر لحظة من عمره، لذا فهو أصبح أسيرا لأنظمة سياسية واجتماعية وأيديولوجية ودينية حاول العرض تجسديها  بأداء استعراضي حركي، يُبرِز الممثل بالدرجة الأولى و يُقِدم الإنسان العربي المحاصر بالكثير من الأنظمة القسرية التي تحيط به وتشل حركته. كما أنه  يبحث عن قضاياه التي تؤرقه، لذا كان الرهان على التعرف على أنواع السجون التي تحد من حريته.. والغريب أن تلك القيود والسجون موجودة وثابتة، ولكنها لا تتغير بمفاهيم الحريات التي تنادي المجتمعات الرأسمالية بها.

لقد غاب الأداء التمثيلي بمفهومه التقليدي عن العرض، ليحل محله الأداء الاستعراضي التعبيري، والذي تُمثل الحركة والاستعراض السريع أهم ملامحه العامة، حيث تمتع  الممثلون بلياقة عالية، مكنتهم من الحركة السريعة، والتعبير عن الذات البشرية وما تعانيه من آلام نفسية، نتيجة الصراع الداخلي الذي تعيشه  شخصيات العرض.



فيما تمتع العرض بسينوغرافيا جمالية تتلاءم  مع الاستعراض الحركي للممثلين والذين جاء تعبيرهم أقرب إلى الأداء الاوبرالي في بعض المواقف، كما قامت الموسيقى بتضخيم الحدث الدرامي من خلال تصعيد الإيقاع العام فيه، وجعل هناك نوعا من الوحدة الجمالية مع بقية عناصر العرض الأخرى، الامر الذي  ساعد على إشعال جذوة الحدث الدرامي، وعدم ترك فرصة للمشاهد للابتعاد عن خشبة المسرح.

كما ركزت المخرجة على الإضاءة لتصعيد الحالات النفسية لدى الشخوص، وخاصة الشخصيات التي تشعر بأنها في مأزق حقيقي، والتي تبحث عن المفتاح السحري الذي يحمله بطل العرض، والذي قام بدور السجان بجدارة، واستطاع أن يحاصر الشخصيات ويجعلها خاضعة لتصوره ورؤاه وتوجهاته الفكرية والسياسية.

كما أن في العرض إشارة واضحة إلى مجموعة من السجون والقيود السائدة، سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم تكنولوجية؛ الانترنت والحاسوب ومجموعة من الأنظمة الالكترونية، التي برغم صعوبة تجسيدها على خشبة المسرح، إلا أن المخرجة استطاعت أن توظف الإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية لصنع رؤية بصرية. كما أشار العرض إلى السجون الناتجة عن وسائل الاتصال والقنوات الإعلامية الأخرى، كالفضائيات التي سعت إلى عولمة العالم العربي، وحولته إلى واقع استهلاكي خاضع لتوجهات اقتصادية معينة.

 ومن ناحية أخرى، ساهمت الأزياء الحديثة التي ارتادها الممثلون في تجسيد واقع الشخصيات بشكل جمالي وأدائي، انسجمت مع بقية مكونات العرض الأخرى، وساعدت على تضخيم الحالة النفسية ورفع الإيقاع العام  للعرض. كل ذلك  أعطى العرض سمة فلسفية معاصرة، لم تستطع العروض الاستعراضية الأخرى تحقيقها، نتيجة تركيزها على  الجانب الاستعراضي، إلا أنها أغفلت الجانب القومي، كثفت الاهتمام بالموضوع أكثر والخطاب الحواري، مما أضعف الاهتمام بالرؤية البصرية التي هي محور اهتمام العروض المسرحية التجريبية.

No comments:

Post a Comment