Monday, June 20, 2011

العرض الهندي/ زماد

    عندما تلتحم اللغة الشعرية مع الطبيعة، تنتج حسا مرهفا، وعندما يلتحم المسرح مع الاثنين، يتولد عنه إبداعا فنيا، ينتج عنه عرض مسرحي، يلتحم مع الطبيعة ويتفاعل مع ذات الشاعر الحالمة....هكذا كان العرض الهندي(زماد) لفرقة شابنف من بونا....والذي أراد أن يقدم عرضًا مسرحيًّا يجمع بين اللغة الشعرية والسردية....وكما معروف عن المسرح الهندي

ومنذ اللحظات الأولى للعرض، يدرك المشاهد بأنه أمام عرض مسرحي شاعري الحس، يتخذ من أغنيات المطر وسيلة لتبرير أفعال الشخصيات، والتي بدأت في التكشف من خلال لوحات متصلة تركز على الاتصال الوجداني بين الشخصيات، وتركز على حس الفنان الذي كان يرسم لوحته وهو يردد أغنيات المطر وينتقل من طرح إلى آخر في سيفونية جمالية صنعتها الطبيعة، وقد كان الشاعر ينتقل في كل مرة بصحبة زوجته التي كانت تلهمه الشعر وهو يرسم لوحة مستوحاة من الطبيعة، ومرة بصحبة الشخصيات الأخرى، والتي كانت أيضا هي الأخرى تناجي الطبيعة، وتسألها أن تلهما الخير والنما والحب والسلام ...

هكذا استمرت اللوحات في التدفق واحدة تلو الأخرى، وهي ترسم في كل مرة لوحة  جمالية ممزوجة بروح  الشاعر والفنان، بعيدا عن إسفافات العصر وحياة المدن. وفي الوقت ذاته، فإن هذا التنوع بين اللغة الشعرية والجمالية والفلسفية، أوحى للمشاهد بأنه أما عرض يلتمس من لغة الشعر، طريقا للتعبير عن قضاياه الفلسفية والجمالية.

بالرغم من جمالية اللغة الشعرية، إلا أن الفعل المسرحي غاب عن الخشبة، وتحول إلى حوار سردي يجمع بين النثر والشعر، ولما كان الفعل المسرحي هو المحرك الأساسي للصراع الدرامي، فإن الصراع يكاد يكود منعدما، نظرا لأن الشعر السردي كان المهين على حس الشخصيات، والتي كانت تتنافس في سرد تفاصيل علاقاتها بالطبيعة وكانت التواصل العاطفي بين الشخصيات هو السائد....وهذا جميعه جعل الصعوبة بمكان التكهن بنهاية العرض  الذي يتغنى بأغنيات المطر...والطبيعة ..
بالنسبة للرؤية البصرية  للعرض، تناسبت مع مضمونه، التي اتسمت بثبات الرؤية لدى المشاهد، نتيجة الحوار المتواصل بين الشخصيات، واكتفى المخرج بوضع ديكور ثابت...إلا أنه يحسب له الاهتمام بالفضاء المسرحي في الخشبة، باستثناء بعض قطع الديكور التي ساعدت الشخصيات على الجلوس والصعود....في حين كان التركيز بصورة أكبر على الإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقية  التي استطاعت أن ترسم  لوحة  مسرحية مستلهمة من الطبيعة البكر، والتي تناغمت مع روح الشاعر، الذي ظل يتغنى بأغنية المطر...بينما السينوغرافيا العامة لعرض(زماد)، أعطته توهجا وألقا بحس شرق آسيوي.

دونما شك، بأن الأداء التمثيلي في أي عرض مسرحي كان،  ينبثق من طبيعة الشخصيات الواردة في (النص-العرض)، والذي عادة يتلاءم مع نماذج وأبعاد الشخصيات المختلفة التي تختلف من عرض إلى آخر، إلا أن العرض عاني ضعف الأداء لدى الممثل فقد كان أداء الممثلين تقليدي وبسيط، ويتضح بأن الممثلين كانوا مجرد هواة...وينقصهم التدريب الكافي، في حين أن المخرج راهن بتقديم عرض جله يعتمد على اللغة الشعرية، والباقي هو عبارة عن حوارات سردية محفوف بحس شاعري،

وقصارى القول: بإن عرض مسرحية (زماد) الهندي، يشكل انعطافه حقيقية في العودة إلى العروض البسيطة، غير مركبة، والتي تقل التقنيات الحديثة التي أصبحت تكتسح العروض العالمية والعربية، حيث سعى هذا العرض  إلى توظيف القصائد الشعرية لرسم الطبيعة التي بالفعل هي انعكاس للقارة الهندية التي تتباين في معتقداتها ولغاتها وثقافتها، والتي ألقت بظلالها  البعيدة المدى على نفسيات ورغبات الشخصيات التي كانت تتغنى  بأنشودة المطر حتى آخر لحظة منه.

No comments:

Post a Comment