Wednesday, June 22, 2011

مسرحية النمرود.. بين التاريخ والسياسة

التاريخ والأسطورة؛ هما أحد المصادر التي تلهم المبدع المسرحي لنظم روائعه الفنية لتظل خالدة بخلود تلك المآثر، وبالمثل فإن اقتباس التاريخ، يعد أيضا مغامرة فليس كل ما كتبه المؤرخون على صفحاته، يصلح لأن يقدم على الركح، ونستطيع أن نطلق عليه  " دراما تاريخية" !.. إضافة إلى ذلك، وأنه عند معالجة موضوع تاريخي، لابد من استرجاع أجندة واقعنا المعاصر، مما يساعد المشتغلين في المجالات الأدبية والفنية على غربلة التاريخ بما يتوافق مع الواقع الآني، بالطبع مع الاحتفاظ بالحقائق الثابتة، لكونها لا تحتمل التغيير أو التحريف مهما حصل!.. ويعتبر عرض مسرحية " النمرود" من العروض الحديثة التي جعلت التاريخ والأسطورة تصافحان شخصيات من واقعنا، وهذا العرض من تأليف صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة وهو من إخراج المنصف السويسي. وعرضت مسرحية " النمرود" في أكثر من عاصمة عربية، وقد شاهدنا هذا العرض على "مسرح دار الأوبرا" ضمن فعاليات مهرجان دمشق المسرحي في دورته الرابعة عشرة.
ويحكي العرض قصة "النمرود" الأسطورية المتغطرسة الذي أرد أن  يحكم شعبه بيد من  حديد، وتشير المصادر التاريخية إلى وجود هذه الشخصية  في  أرض بابل، أما نسبه -  كما ذكر  في الإنجيل القديم ووثق في موسوعة "جينيس"  في الفصل العاشر -  فيعود إلى نوح عليه السلام الذي كان له ولدان هما سام وحام، فمن أولاد حام كنعان وهو والد النمرود، وقيل: "كوش لكن كوش هو اخو النمرود وهم الحاميون".
 بالرغم من البعد الزمني التاريخي لموضوع المسرحية وأبطالها، والذي بدا موغلا في القرون الغابرة، إلا أن المسرحية ركزت على الشخصية كعامل أساسي مهم  لتحريك الحدث،كما أنها تشبعت بالعديد من الاسقاطات السياسية المعاصرة.  فظهر البطل ( النمرود) كشخصية رمزية، لها تأوليها من خلال استدعاء شخصيات اتسمت بالجبروت، وقدست نفسها على حساب الآخر، لذا كان نهايتها الهلاك!
أما عن الأحداث التي تم سردها عبر هذه المسرحية، فهي  تصف لنا النمرود، والذي استطاع القضاء على " الضاحك" بمساندة الشعب، ولكنه ما لبث أن تمرد وأدعى الربوبية وطلب من الشعب عبادته، وتحدى "رب العالمين" لذا أصبح عقابه واجبا، وتم ارسال البعوض إليه بعد شروق الشمس. وبالرغم من  صغر حجم هذه الحشرة، إلا أنها استطاعت أن تقضي عليه، ليكون عبرة لمن يغتر بجاهه ونفوذه وماله، وينسى بأن العدالة السماوية قادرة على إحقاق الحق وازهاق الباطل، مهما كان جبروت الإنسان وظلمه.
على مستوى الأداء التمثيلي، فقد التزمت الشخصيات بالنص، فبرغم مدرسية الإخراج التي اتبعها المخرج في تجسيد شخوصه، إلا العرض استقطب عددا من النجوم، مما جعل أداء الممثل أقوى عناصره الحية، وخاصة وأنه حظي بمشاركة عدد من الممثلين المحترفين فيه، بلغ عددهم أكثر من ثلاثين ممثلا. مما فرض على المخرج مجهودا إضافيا، وخصوصا  عند رسم حركة الممثلين وتحريك المجاميع على الركح، بما يخدم فكرة العمل العامة.
 قام المخرج بتقديم فني يصور المعارك الحربية على الخشبة، فظهرت السينوغرافيا المشهدية العامة للعرض المسرحي، وكأننا أمام" فيلم سينمائي" تاريخي يخرج على خشبة المسرح. إلا أنه في نفس الوقت، لابد من الإشارة  إلى أن التزام المخرج بحرفية النص، وهذا جعل الرؤية الإخراجية فيه  غير واضحة في هذا العمل .
 فضلا عن ذلك، فإن استخدام  الأقنعة قلل من اللعب على أوتار جسد الممثل، فجاء الأداء أقرب إلى النهج التمثيلي في المسرح اليوناني القديم. كما أن اللوحة التعبيرية الأولى التي  استهل  المخرج( السويسي) العرض بها، حملت العديد من الدلالات، برغم من ذلك  لم تقنع المشاهد بشرعية وجودها، وخاصة بعد متابعتنا لبقية أحداث المسرحية، بالإضافة إلى أن فكرة  " كسر العلبة الإيطالية" من خلال السماح للممثلين بالتسلل بين صفوف المتفرجين، كانت من النوافل التي يمكن التخلص منها، دون أن تؤثر على مجريات الحدث العام.

وتوافقا مع دلالات الشخصيات من حيث البعد التاريخي والزمني الأسطوري لقصة العمل المسرحي، فقد ارتدت  الشخصيات الملابس التاريخية، بالإضافة إلى الأقنعة التي لازمتها طوال فترة العرض، وحملت الدروع والأسلحة والتروس.  كما أن توظيف الإضاءة تمركز حول لحظات الذروة فقط، وما عدا ذلك فقد استخدمت الإضاءة المسطحة ذات المستوى الواحد.

أما بالنسبة للموسيقى، فقد ألزمت عناصر العرض الإيحائية المستلهمة من التاريخ والأسطورة على استخدام المقطوعات الموسيقية ذات التأثير الدرامي على الأحداث، وصولا إلى لحظات الذروة والالتفاف حولها، بما يتوافق مع المضمون الغني بالمفاجآت...كما تناغم ذلك مع الألحان المنبعثة على الجانب الأيسر من صالة المتفرجين.

يذكر هذا عرض مسرحية " النمرود"  بلغت تكلفته الإنتاجية أكثر من مليون درهم، وهذا يؤكد دعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، للأعمال المسرحية خصوصا  تلك التي يخرجها مسرح الشارقة الوطني. ويغلب على نصوصه الدرامية الاتجاه السياسي، ومن أعماله ( القضية – عودة هولاكو – الواقع...صورة طبق الأصل – الأسكندر الأكبر والنمرود ) .

No comments:

Post a Comment