Tuesday, July 5, 2011

العرض التونسي حقائب

في احتفالية لا تخلو من الموضوعات التي تحقق المتعة والإثارة ، حملت لنا أيام قرطاج المسرحية قضايا غاية في المتعة والتشويق، جعلت عروضها تعكس شعار الدورة الرابعة عشرة للمهرجان بعنوان " مسرح بلا حدود" لتنطلق في فضاءات اللاحدود من حيث الموضوعات المطروحة والأشكال الفنية التي كسرت الأطر التقليدية. لذا جاء عرض مسرحية (حقائب) ليبحث في حقيبة " الفنان، الممثل" عن أحلام الفنان التونسي وطموحاته وآماله. هذا العرض من تأليف يوسف البحري ومن إخراج جعفر القاسمي.
تضمن عرض مسرحية (حقائب ) الذي قدم على المسرح الوطني التونسي، العديد من الدروس الاحترافية في فن التمثيل والاستعراض الحركي، ولكنه كان أكثر تركيزا في الفصل بين التمثيل والتقمص. حيث يقوم العرض على التمسرح والخروج من دائرة التمثيل التقليدية، ليعبر عن قضايا الممثل التونسي بشكل خاص وقضايا الفنان في العالم بشكل عام. لذا فإنه سعى إلى الكشف عن التحديات التي تواجه الممثلين، و تجعلهم يتمسرحون ويلتفون حول معاناتهم الحقيقية في أداء يستغل طاقات الممثل التعبيرية في كل لحظة على الركح.

ويعيش أبطال العرض رحلة السفر المضنية، بغية البحث عن أحلامهم الضائعة بين محطات الحياة، حتى عندما يصر الممثل على الرحيل فإنه يحمل "حقيبته السحرية" التي تتضمن أدواته الإبداعية معه. لذا نجد الممثل يتوقف ليتمسرح، ويخرج من حقيبته الرمزية عدته التي تمكنه من الأداء التمثيلي، كما نجده يتفاعل مع الفضاء المسرحي بحرية ومتعة.
قادت العرض ثماني شخصيات، أصرت على التواصل مع الجمهور، من خلال الأداء التعبيري المتدفق . حيث قامت تلك الشخصيات بتبادل الأدوار من عرض مسرحي إلى آخر في أداء ارتجالي، غير متكلف. فنرى الممثلين وهم يتقمصون أدوارهم ويصنعون بيئتهم بأنفسهم ويخرجون من حقائبهم أدواتهم الخاصة، حيث الأزياء والماكياج والإكسسوارات، للتعبير عن قضاياهم الحياتية، كما يتفاعلون مع بعضهم البعض بحس إنساني، جعلنا نتفاعل معهم وننسى أن ما يقدم هو مجرد لعبة فنية!
ولا يخلو العرض أيضا من الأداء الساخر من تحديات الحياة، ومفارقاتها الغريبة، التي تجعل الجمهور يضحك على بعض المواقف. ولكن يمكن القول إن الممثلين، في أغلب الأحوال كانوا يتمسرحون ولا يندمجوا في الدور، إذ أن المطلوب منهم أن يعودوا إلى حقيبتهم عقب الانتهاء من الدور، لتقمص أدوار جديدة، مكنتهم من التفاعل مع صالة المتفرجين، بأسلوب لا يخلو من المرح. ولقد تقمص الأدوار مجموعة من الفنانين التونسيين، هم: سماح الدشراوي وصالحة النصراوي و سماح التوكابري و محمد الغربالي..
لعل أهم ما مميز عرض (حقائب) هو " السينوغرافيا " القائمة على الرؤية الجمالية التي حولت "الإظلام" إلى مساحة للإبداع الفني، في عرض استمر أكثر من الساعة، ركز على استغلال تقنيات الإضاءة في تحديد مساحات الركح التي بدت خالية، إلا من البقع الضوئية التي حددها المخرج للتمسرح...بينما ساعدت الموسيقى التصويرية على رصد الفعل الذي ينتهي عقب إغلاق كل حقيبة .
وهكذا جعلنا عرض (حقائب) نبحث في كل حقيبة عن قضايا المخرج والممثل التي تحتاج إلى إعادة النظر وخاصة في وطننا العربي، نظرا لقلة العائد المادي للفنان، وندرة النقابات الفنية التي تحفظ له حقوقه!

No comments:

Post a Comment