Friday, July 15, 2011

"الإيدز" .. يطرق أبواب المسرح المدرسي

الآونة الأخيرة ازدادت جرأة الموضوعات التي تطرحها عروض المسرح المدرسي التي تشرف عليها وزارة التربية والتعليم. وذلك من خلال طرح قضايا ساخنة، تنبلج  من رحم المجتمع، كانت فيما مضى تُعدُّ من التابوهات المحظورة. وبذلك، يكون المسرح المدرسي هو النافذة الحية التي يطل الطالب من خلالها على قضايا مجتمعه، وبالتالي تجعله يفهم ما يدور من حوله بشيء من القلق الصحي المرتقب.

مما لاشك فيه، أن  المسرح المدرسي يقوم بصقل وتثقيف الطلاب في الفنون من خلال برامج الأنشطة المسرحية. كما  يُعدّ من الوسائل المحببة في المراحل الأولى من التعليم بخاصة، حيث يعمل  هذا المسرح على تعزيز الثقة لدى الطالب، وترقية المهارات وتنمية المفاهيم الأساسية، وناهيك عن القيم الأخلاقية والدينية والوطنية لديه. إلى جانب ذلك، يساعد  هذا المسرح الطلاب على تعلم المعارف والاتجاهات والمهارات التي تحسن الأداء وتقوّم السلوكيات السلبية لديهم، وتجعلهم قادرين على التعاون والعمل الجماعي المشترك. كما يقوم هذا المسرح  في إيجاد جيل جديد يؤمن برسالة المسرح الجاد أو ما يُسمى (ثقافة المسرح التراكمية)، والبعد عمّا استهلك من أعمال مسرحية لا تتماشى مع قيمنا الأخلاقية وعادات المجتمع الحميدة، الأمر الذي يتطلب ضرورة البحث عن مسرحيات هادفة اجتماعياً، تعمل على تفريغ طاقات الشباب، ومدّهم بالقيم الفكرية السليمة، وتهذيب سلوكياتهم، وتشغل أوقات فراغهم، مما قد يجنبهم السلوكيات غير المستحبة.

ويعرّف محمد خضر، المسرح المدرسي، بأنه: " لون من ألوان النشاط الذي يؤديه الطلاب في مدارسهم، تحت ملاحظة المشرف المسرحي، داخل الصف أو على خشبة المسرح بالمدرسة ".  كما يعرّفه إبراهيم حمادة : " هو فرقة أو مسرح من الهواة تشرف عليه المدرسة أو مؤسسة تربوية، استهدافاً كتسلية الطلاب وتثقيفهم، وتدريبهم على ممارسة فنون المسرح".
ومن هذه العروض التي تتميز بقدرتها على تجاوز الخطوط الحمراء  مسرحية (سديم وأمل)،  وهو من إبداع  طلبة مدرسة الخوض للتعليم العام، ومن تأليف أمل السابعي وإخراج إدريس النبهاني. وحاز هذا العمل على المركز الأول على مستوى محافظة مسقط في المسابقة السنوية التي تقيمها وزارة التربية والتعليم.   
و يناقش هذا العرض موضوعا غاية في الأهمية، يتمثل في الإجابة على سؤال: كيف يتعامل الناس مع مريض الإيدز؟ ..وهل يشكل المريض بنقص المناعة وباء يجب التخلص منه أم أننا يفترض أن نتعامل بطريقة مختلفة معه ؟ .. هذا ما حاولت مسرحية (الإيدز)  الإجابة عليه من  خلال  طرح قصة أخوين مصابين بمرض نقص المناعة، وتتوالى الأحداث لتكشف لنا الجوانب المظلمة من حياة هذين الشابين اللذين انجرفا في الحياة الليلية، وسعيا لارتياد المراقص وإقامة العلاقات غير شرعية مع بائعات الليل ... وبذلك يعيش هذين الأخوين مرحلة المعاناة والندم و الشعور بالقلق والكآبة والضياع بعد معرفتهما بأنهما مصابان بهذا الوباء القاتل.
كما يغلب على العرض النبرة التراجيدية الحادة، حيث يجتمع الألم مع اليأس من جدوى تلقي العلاج، وفقدان الأمل في التماثل  للشفاء ...كما تتعاظم لغة "التراجيديا" مع الرؤية البصرية للعرض، التي أكدتها جميع عناصره، مثل: الديكور، اللوحة الافتتاحية، وملابس الشخصيات التي يغلب اللون الأسود عليها، بغية  تجسيد مصير مرضى الإيدز  الذين تتكشف للمشاهد حالتهم لتبدو كئيبة وحزينة ..كما ساعدت الموسيقى على تكثيف الحالة النفسية لدى الشخوص، وجعلت المواقف أكثر واقعية. كما أنها أعطت المشاهد إحساساً يُشْعِره بسوداوية المواقف الدرامية...كما أكدت ألوان الملابس التي يرتديها الممثلون تلك النبرة، وبدا العرض الذي لم يتجاوز نصف الساعة، واقعاً مأساوياً استطاع أن يصدم المشاهد بحقيقة ما يدور حوله، وجعله يأخذ الحيطة والحذر !
حرص المخرج على كسر الإطار التقليدي للمسرح المدرسي المعتاد من خلال اللوحة الافتتاحية التي أعطت نبذة عن ماض أولئك الشباب، لتوضح للمتلقي كيف أصيبوا  بهذا المرض..حيث تمت الاستعانة بعدد من الطلبة (الكومبارس) للوقوف خلف الستارة الخلفية البيضاء التي وضعت في عمق المسرح، التي شجبت الرؤية  مما جعلها  أقرب إلى (خيال الظل). وكان ذلك بهدف تصوير الحياة الليلية في المراقص التي كان يرتادها  الشباب الثلاثة  لتمضية الوقت والتسلية، الأمر الذي جعلهم ينزلقون في أخطاء كبّدتهم  الكثير والكثير فيما بعد!
ومنذ الوهلة الأولى يظهر الشابان أحمد وسمير وهما يتحاوران حول الصراع مع مرض  نقص المناعة، وكيف أن الحياة أصبحت مظلمة بلا أمل!...وبالرغم من عدم إصابة (سمير) بالمرض، إلا أن الأخ المريض القابع في القفص الاختياري يوهمه بأن العدوى انتقلت إليه!!..ولما كان (سمير) يجهل طرق انتقال هذا المرض، فأنه يصدق أخاه ويعيش في وهم المرض قبل أن يصاب به ..وتكون المفاجأة عندما نعلم بأن  الأخ الثالث الذي ينتمي إلى لجنة  مكافحة (الايدز) هو المصاب الحقيقي بالمرض. بالإضافة إلى الأخ القابع في السجن الاختياري.
 والمتابع للعرض تصله الرسالة منذ اللحظات الأولى، لذا جاءت رسالته مباشرة ومثقلة بالنصائح التي يغلب عليها النبرة الخطابية، وهذا قلل من الاستمتاع بمشاهدة العرض المسرحي المقدم، فالمسرح هو قالب فني وليس منبرا لإلقاء الخطب..وكان يفترض أن يقلل من تلك النبرة، ويتم تقديمه بصورة مختلفة، ربما عن طريق تحويل الحوار إلى رؤية بصرية يستنتج  من خلالها المشاهد رسالة العرض؟..وهذا ما حدث في اللوحة الأولى عندما قدم مشهد النادي الليلي من خلال لوحة خيال الظل ..ولكن بعد ذلك قدم العرض بلغة بسيطة ومباشرة.
وهناك شكلان  للصراع الدرامي عايشهما شخوص العرض، فهناك صراع على  مستوى الشخصية، حيث تعيش الشخصيات صراعا مع ذواتها، حيث نلاحظ أحمد وسمير وقد حبسا أنفسهما في القفص الاختياري داخل غرفتهما التي تبدو حالكة السواد واجمة، توحي بالجو الهيستيري الذي يعيشه المرضى ...وانعدام الصلة مع الآخرين لأنهم  لم  يتقبلوا مرضه، لذا قرروا الانزواء والتقوقع حول  ذاتيهما ..وهناك الصراع الخارجي الذي يعيشه المصابون بمرض نقص المناعة  مع المجتمع، حيث  يدير الآخرون ظهورهم لهم ويتنكرون لهم. 
تألق  الطلاب الثلاثة المشاركين: ( محمد الأخزمي، اليقظان المحروقي، محمد الكيومي)  في عرض مسرحية ( سديم وأمل)  من خلال أدوارهم التي تحمل رسالة موجهه للمجتمع العماني والإنساني، التي تقر  بوجود المسرح الجاد على الرغم من محاصرتنا بدوامة من الأعمال التجارية عبر الفضائيات، وعبر ما يقدم في دور السينما والمسرح من الأعمال الفنية، التي تعلن أفلاسنا من الأعمال الجيدة.
ولقد جاءت مستويات الأداء التمثيلي متفاوتة، حيث اتضح أن البعض لديه جرأة  على مواجهة الجمهور، ولكنه  في نفس الوقت لا يزال يفتقر إلى أساسيات "فن التمثيل" ، ويعتمد على "الإلقاء المدرسي" المعتاد. في حين نجد هناك من يستطيع أداء الدور التمثيلي بصورة معقولة، ولكنه لا يزال يختبئ وراء ستار الخجل الاجتماعي ...وبالرغم من ذلك، فإن هؤلاء الطلبة يشكلون  جميعا خامات حقيقية، لمواهب فنية تستحق التوقف، والتساؤل كيف يمكن استغلال هذه الطاقات الفنية مستقبلا، لتكون رافدا آخر مهما  لتطوير الدراما العمانية.




No comments:

Post a Comment