Monday, July 4, 2011

التطلعات المستقبلية في المسرح العماني

ورقة عمل مقدمة في ندوة (المسرح في عُمان واقع وتطلع) بالمنتدي الأدبي ـ وذلك في الثامن عشر من فبراير بمقر النادي الثقافي بمسقط 2008

بداية قبل الولوج للحديث عن واقع المسرح العماني ومستقبله، يجب الاعتراف بأن المسرح هو أحد الأنظمة الثقافية الحية، التي تستمد مكوناتها من النظام الثقافي الإنساني. ولكن تبقى للمسرح خصوصية مميزة، يصعب اختراقها أو صهرها ضمن بقية عناصر هذا النظام، لكون المسرح يتمتع بشخصية لها مواصفات منفردة (1).


وينسحب ذلك على واقع المسرح العماني الراهن، فالمسرح العماني ينطلق من ثوابت ثقافية تنطلق من الواقع والتراث والتاريخ العماني، فهو له خصوصية معينة، لتزامنه من حيث النشأة والتطور مع النهضة التنموية التي حدثت في السلطنة عقب الطفرة النفطية الحديثة واقترانه بكل ما هو أصيل ومعاصر. وتعود البدايات الأولى لظهور المسرح العماني إلى المدارس السعيدية الثلاث؛ المدرسة السعيدية في مسقط، والمدرسة السعيدية في مطرح، والمدرسة السعيدية في صلالة، حيث كانت تقدم فيها عروض أقرب إلى المشاهد التمثيلية من خلال مسرحة الدروس بشكل تمثيلي، إلا أن تلك العروض ظلت مجرد نشاط تمثيلي بسيط. ويشير بركات أوهاب إلى أن مسرحية (صقر قريش) عرضت في المدرسة السعيدية بمطرح آنذاك، وهى مسرحية تاريخية استغرقت حوالي تسعين دقيقة. ورغم بساطة المشاهد التمثيلية المدرسية، إلا أنها تمثل بداية أولية للنشاط التمثيلي في عمان، وأن طلاب المدارس الذين شاركوا في تقديم هذه العروض المسرحية، هم الذين شكلوا فيما بعد نواة الفرق المسرحية في الأندية التي ازدهرت كثيرا في عصر النهضة(2).
وبعد تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم في البلاد، تعددت قنوات المسرح العماني، حيث برز دور الأندية التي كانت تقدم عروضا مسرحية من اجتهادات الهواة، وأن كانت تلك العروض تفتقر للإمكانيات الفنية، إلا أنها زخرت بميلاد نخبة رائدة، لمعت فيما بعد في سماء الدراما العمانية، وما زلنا إلى وقتنا الحالي نعايش إبداعاتها الفنية .
وفي عام 1980 خرجت إلى الوجود فرقة مسرح الشباب وهى أول فرقة مسرحية عمانية بمسقط. وقد تشكلت من مجموعة من الهواة الموهوبين الذين كانت لديهم الرغبة في المشاركة، لذا كانت الأندية الملاذ الأمثل لصقل تلك المواهب. ولقد قدم أولئك الشباب عروضا مسرحية في المناسبات، وكانت تلك العروض تحمل طابعا كوميديا أو اجتماعيا أو تاريخيا.
علاوة على ذلك، اهتمت المؤسسات التربوية، ممثلة في دائرة الأنشطة التربوية بوزارة التربية والتعليم بالمسرح، وأصبحت تحرص على تنظيم المسابقات التي تعنى بالمسرح المدرسي. كما تكللت تلك الجهود بإشراف المختصين من الشباب العمانيين الذين تخرجوا في المعاهد الفنية لهذا النشاط . من جانب آخر، هناك عروض مسرحية متخصصة قدمها خريجو قسم الفنون المسرحية بجامعة السلطان قابوس سابقا، إلا أن هذا القسم توقف عن استقبال الدفعات الأكاديمية في مجالات المسرح. ومؤخرا، تحول إلى تخصص فرعي يمكن للطلاب الذين لديهم حب لأبي الفنون أن ينخرطوا فيه . بالإضافة إلى الأسابيع الثقافية للكليات التربوية التابعة لوزارة التعليم العالي، والتي تقدم المسرح كجزء من النشاط الثقافي في نهاية العام الدراسي.
ويجب الإشارة هنا، إلى دور وزارة التراث والثقافة في إثراء الحركة المسرحية العمانية من خلال إقامة الملتقيات المسرحية لمسارح الشباب، وكذلك إقامة مهرجان المسرح العماني كل عامين، وتنظيم العديد من الفعاليات المسرحية كالندوات والحلقات التدريبية.
ولما كانت الباحثة بصدد الحديث عن مستقبل الحركة المسرحية، لذا كان لزاما الرهان على ضرورة وجود قاعدة مسرحية، تتمثل في الارتقاء بالثقافة المسرحية، والسعي حثيثا نحو تطوير المسرح المدرسي، ودعم الفرق الأهلية للمسارح.
ويهدف هذا البحث إلى دراسة العناصر التي يمكن أن ترقى بالمشهد الثقافي في السلطنة في المهرجانات والاحتفالات المسرحية الخارجية. وبالطبع لن يكون ذلك، إلا بمزيد من الدعم الرسمي و إيجاد الخطط و الاستراتيجيات الواضحة، وبذل المزيد من الجهود على كافة المستويات .
علاوة على ذلك، تحاول الباحثة استشراف واقع الحركة المسرحية العمانية، للتعرف على مستقبلها . بالطبع لا يمكن التكهن بمستقبل المسرح العماني، إلا من خلال دراسة مكوناته في الوضع الراهن، والوقوف على التحديات التي تواجهه، وذلك من خلال التركيز على ثلاثة محاور، وهى كالتالي:
المسرح التربوي المدرسي، أضافه إلى مسرح الطفل.
واقع الفرق الأهلية المسرحية والتحديات التي تواجهها.
دور المهرجانات والملتقيات المسرحية في تنشيط الحركة المسرحية.

 أولا : مسرح الطفل والمسرح المدرسي
نظرا للتلازم الحتمي بين المسرح التربوي ومسرح الطفل، لدرجة أنه يصعب الفصل بينما، فالمسرح التربوي يقدم العديد من مسرحيات الأطفال التربوية. بالإضافة إلى أن موضوعات مسرح الطفل تستمد عناصرها من المسرح التربوي. ولكن لا ينتقص هذا من أهمية العروض التي تقدم للصغار. وعلى أية حال يمكن القول بأن مسرح الطفل غالبا ما يقترن بمرحلة الطفولة، أما المسرح المدرسي فمظلته أوسع، نظرا لامتداده الزمني مع المراحل العمرية للطلاب .
أولا: المسرح المدرسييعرف محمد خضر المسرح المدرسي، بأنه: "هو لون من ألوان النشاط الذي يؤديه الطلاب في مدارسهم، تحت إشراف المشرف المسرحي، داخل الصف أو على خشبة المسرح بالمدرسة " (3). وبالرغم من بساطة هذا التعريف، إلا أنه يقر بالتلاحم الكبير بين ما يطلق عليه المسرح المدرسي وبين المدرسة كمكان لاحتضان تجارب الطلاب الهواة. أما إبراهيم حمادة فيعرف المسرح المدرسي، بأنه : " هو فرقة أو مسرح من الهواة تشرف عليه المدرسة أو مؤسسة تربوية، استهدافا كتسلية الأطفال وتثقيفهم، وتدريبهم على ممارسة فنون المسرح" (4) .
وفي هذا الصدد، فإن المسرح المدرسي يقوم بصقل وتثقيف الطلاب في الفنون المسرحية، وذلك من خلال برامج الأنشطة المسرحية. كما أنه يوظف مسرح العرائس لخدمة المادة التعليمية. ويعتبر هذا المسرح من الوسائل المحببة لدى الطلاب، خاصة في المراحل الأولى من التعليم. ويعمل النشاط التربوي المسرحي على الحث على الاعتماد على النفس، وترقية المهارات وتنمية المفاهيم الأساسية، والقيم الأخلاقية والدينية والوطنية. إلى جانب ذلك، فإن المسرح المدرسي يساعد على تعلم المعارف والاتجاهات والمهارات، وتحسن الأداء وتعديل السلوكيات. والتدريب على التعاون والعمل الجماعي المشترك، وإتاحة الفرص لنمو القدرات الفردية والجماعية، والتأكيد على المبادئ التي يجب أن تربى الأجيال الجديدة عليها (5).
علاوة على ذلك، يقوم المسرح المدرسي بترسيخ مبادئ الحرية والسلام، وإيجاد جيل جديد يؤمن برسالة المسرح الجادة، والبعد عما استهلك من أعمال مسرحية لا تتماشى مع قيمنا الأخلاقية. الأمر الذي يتطلب، ضرورة البحث عن مسرحيات هادفة اجتماعيا، وتعمل على تفريغ طاقات الشباب، ومدهم بالقيم الفكرية السليمة، وتهذيب سلوكياتهم، وشغل أوقات فراغهم، مما قد يجنبهم السلوكيات غير المستحبة (6).
وقد أولت وزارة التربية والتعليم مجال الأنشطة المسرحية العناية الفائقة، لتوفير المناخ الملائم للإبداع المسرحي. وذلك، عن طريق استقطاب أكبر عدد من موجهي النشاط المسرحي من العمانيين. لذا كان حريا أن يرسم مخطط واضح لمنهاج مسرحي، يسير عليه أخصائيو النشاط المسرحي، بدءا من المراحل المبتدئة في التعليم وانتهاء بالمراحل العليا. ويهدف البرنامج للنهوض بقدرات الطالب الإبداعية (فن التمثيل – الإلقاء – الثقافة المسرحية ) ، والرقى بمداركه، وتمكينه من استغلال أدواته الخاصة. مع التأكيد على ضرورة، أن يشتمل ذلك البرنامج على الإطار النظري الذي يتضمن تاريخ المسرح، وأهم أعلامه ونظرياته، وعند الانتهاء يتم الانتقال إلى الجوانب العملية لتدريب الطالب وصقل مهاراتهم، بالطبع هذا لا يتم إلا عندما يشارك الطالب في الأعمال المسرحية التي تقدم على مستوى المدرسة أو المديرية. ولم تقتصر جهود وزارة التربية والتعليم على الطالب فحسب، وإنما سعت إلى تدريب وتوجيه أخصائي النشاط المسرحي، وذلك من خلال إقامة الحلقات المسرحية المشتركة، حيث عقدت الحلقة التدريبية الخاصة لدراسة النشاط المدرسي الراهن وإمكانية تطويره، مع محاولة معالجة التحديات التي تقف عقبة دون الرقي به. ولعل من الأمور التي يمكن أن يعول عليها مستقبلا، هي محاولة إدراج المسرح ضمن التخصصات المطروحة عمليا في الجامعات والكليات، وحثها على الاهتمام به ضمن المساقات المتطلبة والأنشطة اللامنهجية (7).
وهناك عدد من المعوقات التي تواجه المسرح المدرسي، يجدر الإشارة إليها لكونها تشكل عقبات مزمنة تواجه هذا المسرح، ليس فحسب في السلطنة، وإنما في بقية الوطن العربي بشكل عام، وسوف تشير الباحثة إلى بعض هذه العقبات كالتالي(8):

- تأهيل أخصائي النشاط المسرحي
إن إعداد أخصائي النشاط المسرحي بالشكل الجيد فنيا وتقنيا وتربويا من خلال تأهيله أكاديميا في مجال المسرح أو تأهيله أثناء الخدمة لغير المؤهلين أكاديميا. وذلك لإعداده بشكل يساهم في إنجاح العملية المسرحية بكاملها، على اعتبار أنه حلقة وصل بين أهداف الإدارة، وبين إشباع احتياجات التلاميذ لممارسة هذا الفن.
- التحديات المالية
يعتبر النشاط المسرحي من الأنشطة الفنية التي تحتاج إلى ميزانيات، حيث يمثل التمويل أحد عناصر نجاحه، فلا يمكن وجود مسرح فعال في المستقبل، دون توفير الدعم المالي اللازم، لمواجهة الأعباء التي تقف عقبة في وجه أنشطة المسرح المدرسي.
- ندرة النصوص المسرحية التربوية
تعد ندرة النصوص المسرحية إحدى المشكلات التي تعوق عملية النهوض بالمسرح المدرسي، وارتبطت بعدة أسباب: منها ندرة الكتاب للمسرح المدرسي، وكذلك غياب النصوص الدرامية ضمن المناهج الدراسية كمادة قائمة بذاتها.
عدم تخصيص وقت كاف للتربية المسرحية بالجداول الدراسية
إن عدم وجود منهج لتدريس الدراما والأدب المسرحي ضمن المناهج التعليمية، يترتب عليه عدم تخصيص وقت داخل الجداول الدراسية، لممارسة النشاط المسرحي. بالإضافة إلى ضآلة حجم النشاط وهامشيته، سواء من وجهة نظر مسؤلي التربية والتعليم، أم من وجهة نظر الطلاب الراغبين أنفسهم في ممارسته.
- عدم استفادة الطلاب من النشاط المسرحي
يتضح ذلك من خلال المسابقات التي تقام للنشاط المسرحي، إن إجمالي عدد الطلاب المشاركين في مسابقات مراكز تنمية القدرات المسرحية ضئيل.
- عدم وجود مسارح أو صالات للعروض بالمدارس
تخلو المباني المدرسية من دور العروض المجهزة بالتقنيات المسرحية الحديثة، وفي الأغلب تعتمد تلك المدارس على خشبة المسرح التي تقدم فيها الحفلات الفنية عند نهاية العام الدراسي.
- العقبات الاجتماعية :
هناك عدد من العقبات الاجتماعية التي يواجهها المسرح المدرسي، إذ لا يزال المجتمع العربي حديث العهد بالفن المسرحي، فما بالك بشعوب دول الخليج العربي التي شهدت قفزة نوعية في كافة المجالات، لذا فإن هناك العديد من الأسر التي لا تزال تتحفظ في مشاركة أبنائها – وخاصة الإناث منهم- في هذا النشاط.
وصفوة القول، بأن هناك عدد من المعوقات التي باتت تشكل قلقا مسرحيا حاضرا، ويفترض إيجاد الحلول الجذرية لها في المستقبل القريب البعيد. وسوف تتعرض الباحثة في الأسطر القادمة في عجالة سريعة لدور مسرح الطفل وأهميته، لكون هذا المسرح لم يظهر بعد كمسرح مستقل ومحترف في سلطنة عمان، وإنما في أغلب الأحوال يتم إدراجه ضمن المسرح المدرسي أو مسرح البالغين.
ومن المؤكد أن مسرح الطفل هو مسرح تربوي شكلا ومضمونا. ولابد لمن يعمل في مجاله أن ينضوي تحت شعار (التربية قبل الفن). وقد أشارت التجارب أن مسرح الطفل، يمكنه أن يصبح رافدا للعملية التربوية الحديثة، بما يحققه من فوائد شاملة تهدف إلى توجيه الأطفال، وتربيتهم تربية قومية واجتماعية وخلقية وثقافية وأدبية وفنية وجمالية(9).
وفي نفس السياق، فأن مسرح الطفل يهدف إلى ترسيخ العديد من القيم النبيلة في نفوس الأطفال كحب الوطن والإيمان بوحدة الأمة العربية وتاريخها المجيد الذي سطره الأجداد، وما قدموه للإنسانية من تراث حضاري عظيم انصهر في بوتقة الحضارة الإنسانية. كما يقوم هذا المسرح بمحاولة طرح القضايا الاجتماعية والخلقية والنفسية، حيث يتعرض للعديد من مشاكل الآباء والأمهات وعلاقتهم بالأبناء، وعلاقة الطفل بالمدرسة والبيت والأصدقاء وبما يحيط به، فيتحول مسرح الطفل إلى منارة ثقافية تنشر المبادئ التربوية والأخلاقية، وتنير الطريق أمام العلاقات السليمة. كما أنه يمكن أن يكون عاملا قويا في معالجة بعض الأمراض النفسية، حيث يتم اختيار للطفل الدور المناسب الذي يؤدي إلى تفريغ شحناته الداخلية مما يساعده على التخلص من العقد النفسية مثل الخوف والخجل وضعف الشخصية. فعند ممارسته لفن التمثيل تزداد ثقته بنفسه ويكون قادرا على مواجه الآخر(10).
وبوجه عام يمكن القول، إن أهداف مسرح الطفل تربوية وتوجيهية. ويستطيع هذا المسرح أن يجسدها من خلال عرض مسرحي واحد، فيتقبلها الطفل من أعماقه. ومن هنا يتبين خطورة الدور الذي يقوم به هذا المسرح، نظرا، لأن الأفكار التي تطرحها المدرسة قد يتقبلها الطفل بنوع من التردد، أما عندما يأتي الطفل إلى المسرح ولديه رغبة حقيقية للمتابعة، فيتقبل كل ما يقدم له. ومن خلال تلك المقدمة السريعة عن مسرح الطفل، يتضح بأنه مسرح تربوي، لازم المسرح المدرسي الذي شكل بدوره ملامح البدايات الأولى للمسرح العماني من خلال المدارس السعيدية الثلاث ثم الأندية وكذلك مسرح الشباب.
ولابد من الإشارة هنا إلى مسرح الشباب، لكونه يشكل لبنة أساسية لانطلاقة العمل الشبابي في السلطنة، حيث ضم بين أركانه عددا من الشباب الهواة الموهوبين، وكان تحت إشراف المختصين. حيث لم تقتصر أعماله المسرحية على البالغين من الجمهور، وإنما قدم أعمالا مسرحية للأطفال مثل مسرحية ( القناع) ومسرحية (نعم أقوياء). بالإضافة إلى العديد من المسرحيات التي تخاطب الطفل العماني، وتساعد في تعزيز الوعي لديه بأهمية المسرح سواء أكان ذلك من خلال المشاهدة التي تمكنه من تلقي عدد من القيم التربوية أو من خلال مشاركة الأطفال أنفسهم من ذوي الموهبة الفنية في تقديم تلك العروض، مما يترتب عليه ترك الأثر الإيجابي في تنمية قدراتهم الفنية .
ومن الفرق المسرحية التي اهتمت بعروض الصغار فرقة (الصحوة المسرحية) وهى أول فرقة تم تأسيسها عام 1987 م، وتبنت هذه الفرقة المواهب الشابة من الهواة. أما عن أعضائها الفعليين فكانوا من الشباب، الذين أخذوا على عاتقهم النهوض بالحركة المسرحية، حيث قدمت مسرحية واحدة بعنوان (الصحوة الكبرى )عام 1987م، من تأليف وإخراج خليفة البلوشي، وهى مسرحية احتفالية تحكي مسيرة النهضة العمانية(11).
ولا يزال عطاء هذه الفرقة مستمرا رغم الصعوبات التي تواجهها، إلا أنها استطاعت إن تقدم عروضا حية مستقاة من النصوص المحلية والعالمية في الآونة الأخيرة، ولقد قدمت تلك الفرقة أكثر من مسرحية، بالإضافة إلى تقديم العديد من التجارب المسرحية لللأطفال. ومن الفرق التي اهتمت بعروض الأطفال أيضا فرقة (الدن للثقافة والفن) ولقد تأسست هذه الفرقة عام 1998م بولاية سمائل. وقدمت العديد من الأعمال التي أشاد بها الجمهور المحلي .حيث قدمت مسرحية ( العاصفة ) من تأليف محفوظ الهنائي، وإخراج عبيد الهنائي ، ومسرحية ( البلدية والمجتمع ) من تأليف وإخراج محفوظ الهنائي ومسرحية ( البيئة والمدرسة) من تأليف وإخراج محفوظ الهنائي، ومسرحية (سيف الجن) من تأليف وإخراج محفوظ الهنائي. بالإضافة إلى العديد من الأعمال المسرحية لصغار و(الأوبريتات)، وآخر هذه الأعمال أوبريت " لحن الاتحاد" الذي قدم في مهرجان مسرح الطفل الأول(12).
ولقد قامت فرقة (مزون) المسرحية مؤخرا، بالإعداد لمهرجان مسرحي يحتضن مسرحيات أعدت خصيصا للطفل العماني، بمشاركة بعض الفرق الأهلية للمسارح، وتم توزيع الجوائز على الفرق الفائزة. ولقد تأسست هذه الفرقة عام 1991م، و من أهم أعمالها (من السبب ؟)، من تأليف درويش المقبالي، وإخراج يوسف البلوشي ، ومسرحية ( الأستاذ شعبان وصل ) من تأليف وإخراج يوسف البلوشي، ومسرحية ( دعوة على الهواء ) من تأليف، وإخراج يوسف البلوشي ، ومسرحية ( مأساة الملك أوديب ) من إعداد وإخراج يوسف البلوشي، ومسرحية ( قرية بين أنياب الشيطان ) تأليف وإخراج يوسف البلوشي، ومسرحية ( قافلة التبريزي ) للكاتب ألفريد فرج واخراج درويش المقبالي ( 13). ولقد كان لهذه الفرقة حضور متميز في المهرجانات المسرحية، حيث قدمت عروضا مسرحية في عدد من الدول الخليجية والعربية. وحظيت العروض المقدمة بترحيب جماهيري واسع ، نال استحسان النقاد والفنانين ( 14).
ومن ناحية أخرى، تشهد السلطنة حركة ثقافية متواصلة، كان من المفترض أن تسعى الجهات التربوية إلى تشجيع الطلبة للمشاركة في هذا المناخ الثقافي كالمهرجانات التي تعنى بالطفل، والتي عادة ما تقتصر على الأوبريت، بينما يختفي مسرح الطفل التربوي، ويتم تقديم العروض المسرحية بعد التعاقد مع فرق مسرحية من خارج السلطنة. وربما المثال الأقرب، هو أنشطة مسرح الطفل في مهرجان مسقط في كل عام. إذ يحرص القائمون على المهرجان على الاحتفاء بفقرات المهرجان، كمسرحيات الأطفال، وذلك من خلال تقديم عروض مسرحية جديدة، سواء تلك المقدمة من خلال مسرح العرائس أو القفاز أو المسرح التربوي. وهذا مؤشر إيجابي لتعزيز الوعي الثقافي لدى الطفل العماني وتنمية مهاراته الادائية. وذلك من خلال العروض المسرحية التي تقدم في المواسم الثقافية كمهرجان مسقط، الذي يقدم عددا من المسرحيات المعدة خصيصا للصغار، من قبل الفرق الأهلية للمسارح في السلطنة أو تلك التي تقدمها فرق أخرى مسرحية من دول الخليج العربي والوطن العربي، بالإضافة إلى عروض مسرح العرائس الذي يقدم طيلة أيام المهرجان.
وخلاصة القول، بإنه بدأت تتشكل في السلطنة بوادر حقيقية لمسرح الطفل العماني، يمكن أن تزدهر مستقبلا في حالة لو لقيت التشجيع والدعم المالي والفني المطلوب.
إن تأسيس بنية مسرحية أهلية خطوة مهمة وإيجابية في مسيرة المسرح العماني، حيث استطاع المسرح العماني أن يتعدى طور المدرسة والنادي ومسرح الشباب، ليبدع شكلا مسرحيا جديدا قادرا على استيعاب النتاج المسرحي، وذلك من خلال الفرق الأهلية، والتي خرجت إلى النور بموجب القرار الوزاري 186/96 الصادر عن وزارة التراث والثقافة، ويبلغ عددها سبع عشرة فرقة. وكان من المفترض أن تشكل تلك الفرق، تيارا مسرحيا، يضيف بصمة مميزة في سماء الدراما العمانية، ولكن المتابع لنشاط هذه الفرق يجده متذبذبا، حيث يقتصر على عدد محدود منها (15).

وحاليا، تقوم الجهة الراعية لشؤون المسرح بوضع لائحة تنفيذية، لا تزال قيد التنفيذ، حيث تمت مناقشة العديد من القضايا على يد عدد من المختصين في مجالات المسرح، بغية الوقوف على أوضاعها. ولعل أهم مضامين تلك اللائحة، هو احتمالية وضع بند مالي لتفعيل الحركة المسرحية من خلال تغطية متطلبات النشاط المسرحي، الأمر الذي من شأنه إن ينعكس إيجابا على الحركة المسرحية العمانية.
وهذا يقودنا، إلى ضرورة الأخذ بما وصلت إليه الفرق الأهلية في دول المجلس التعاون الخليجي، وعلى سبيل المثال وليس الحصر، في دول الكويت - كنموذج ناجح لتكوين قاعدة للحركة المسرحية الأهلية الخليجية- حيث تتبنى الجهات الراعية للمسرح توفير مقر ثابت للفرقة، وترفدها بميزانية- ولو جزئية. وهذا ساعد القائمين على تلك الفرق على الاستمرارية من خلال تقديم عروض الأطفال المتنوعة، وتقديم العروض المسرحية للكبار وتشجيع شباك التذاكر.


كما أن تحريك المسرح وجذب الجمهور إليه، سينشط شباك التذاكر لدى هذه الفرق المسرحية، وهذا بدوره سيدر دخلا يضاف إلى ميزانيتها، مما يمكنها من توفير الإمكانيات المادية التي يتطلبها العمل المسرحي. نظرا، لارتفاع تكاليف مستلزمات العرض المسرحي(16)، بفعل ارتفاع معدلات المعيشة في جميع قطاعات الحياة في الآونة الأخيرة. وبذلك يستطيع الأعضاء في هذه الفرق التواصل في تقديم العروض المسرحية على مدار العام.

ثالثا: المهرجانات المسرحية
تعتبر إقامة المهرجانات المسرحية ظاهرة موسمية مهمة، لتنشيط الحراك المسرحي في السلطنة، شأنه في ذلك شأن بقية الأنشطة الفنية والأدبية. ولكن هناك موسمية داخل الموسمية لهذه المهرجانات، ففي حين هناك استمرارية للأنشطة الفنية والأدبية الأخرى، في المقابل، هناك تذبذب واضح في إقامة الفعاليات المسرحية.
وبالرغم من أهمية المهرجانات، حيث أنها ليست ظاهرة احتفالية عارضة، وإنما هي إتلاف مسرحي جماعي، يعزز روح المنافسة الشريفة بين الفرق المسرحية المشاركة، كما أنه يكشف عن إبداعات الشباب الفنية. الأمر الذي سيتمخض عنه عدد من العروض المسرحية التي أن صح التعبير – إنتاج الموسم- للمشاركة بها في المسابقات الخارجية والفعاليات العامة التي تتيح للمشاهد الاستمتاع بالمشهد المسرحي العماني. كما يجدر الإشارة، إلى أنه من خلال العروض المقدمة سواء تلك التي تقدمها الفرق الأهلية أو مسارح الشباب، أو المقدمة في المهرجانات الطلابية، يمكن الخروج من كل فعالية بأكثر من عرض مسرحي يتمتع بسمات فنية متكاملة.
كما أن تلك العروض تنبئ عن وجود طاقات مخزونة لدى الفنان العماني، يمكن أن يكشفها المستقبل، والذي يتمتع بكم هائل من الطاقات الفنية الشابة التي يمكن أن يوظفها في الأعمال الدرامية، انطلاقا من المسرح وانتهاء بالدراما التليفزيونية متى أتيحت الفرصة له. بالطبع شريطة ألا تكون الدراما التليفزيونية وسيلة لهروب الفنان من خشبة المسرح، كما حدث للكثير من الفنانين العرب .
ومما لا شك فيه، بأن الحركة المسرحية الأهلية أصداء للمهرجان المسرح العماني الأول والثاني، حيث أن العروض الحائزة على مراكز متقدمة، لا تزال تشارك في المناسبات الخارجية والداخلية. كذلك أن الملتقيات المسرحية من خلال مسارح الشباب في الولايات والمحافظات، والتي لابد أن تفعل بشكل فعلي في الارتقاء بدور المسرح الرائد مستقبلا.
وعلى غرار التجهيزات التي تصاحب تلك الاحتفالية الموسمية، لابد من إعادة النظر في حتمية وجود أكثر من مسرح لاحتضان التجارب المسرحية عند التخطيط لإقامة المهرجانات المسرحية أو أي فعاليات مسرحية مصاحبة. أضافه إلى ذلك، تعقد الحلقة المسرحية المكثفة مع الاستعانة بالأساتذة المختصين على الأقل مرتين كل عام. أما عن كيفية اختيار العضو المشارك في هذه الحلقة، فإن الأولوية تعطى للفنانين من أعضاء الفرق المسرحية الذين لهم تواجد مكثف على خشبة المسرح.
وفي الأسطر القادمة تقدم الباحثة بعض النقاط، والتي يمكن الأخذ بها لتشكيل أساسيات مستقبل المسرح العماني، بشيء من التخطيط المسبق المربوط بالواقع الحاضر، بغية الرقي بدور المسرح الرائد مستقبلا، وهى كالتالي:
* توسيع مساحة حرية التعبير لدى العاملين في الشأن المسرحي، على اعتبار أن المسرح شكلا من أشكال التعبير الفني النابض بالحرية ومفهومها، فهو يرتبط بها ارتباطا أزليا. لذا كان لابد من إعطاء العاملين في المجال المسرحي مساحة وافية من حرية التعبير، حيث نجد هناك الكثير من التذمر حول تضييق الخناق على العاملين في القطاعات الفنية والأدبية. وهذا يجعلنا نواجه حقيقية مفادها إنه من الصعب إيجاد تاريخ متكامل لقضايا الإنسان العربي المعاصر في ظل غياب الحرية المسرحية (17).
* استخدام التقنيات الحديثة في المسرح العماني، بالطبع لن يكون ذلك إلا بوجود مخرجين مبدعين قادرين على تقديم رؤى إخراجية والاستمرار، تستطيع أن ترقى بهذا المسرح، مما سينعكس إيجابا في الارتقاء بذائقة الجمهور(18).
* تأسيس نقابة للفنانين العمانيين أو رابطة تدعمها الجهات الراعية للمسرح، ويشرف عليها المختصون بالشأن المسرحي ورؤساء الفرق الأهلية للمسارح، أما أعضاء هذه الرابطة، يمكن أن يكونوا من الهواة والمهتمين بالمسرح وأعضاء الفرق الأهلية للمسارح. وهذا يعطي فرصة لوضع أنظمة تحفظ للفنان حقوقه وتمكنه من مزاولة مهنته بشيء من الارتياح والرضا.
* استخدام التراث في مواجهة العولمة الثقافية من خلال توظيف الموروث الشعبي و الإنساني وعناصر الفرجة في الواقع المحلي والخليجي. مما سينعكس إيجابا في الارتقاء بدور المسرح العماني، بوضع أساسيات تميزه عن غيره من المسارح من حيث الموضوعات المطروحة أو القوالب الشكلية المستخدمة.
* الدعوة إلى الاستثمار المفتوح لشركات الإنتاج الفني والتسويق التجاري للعروض المسرحية، مثلما هو حاصل في قطاعات الإنتاج التليفزيوني والسينمائي .
* محاولة الابتعاد عن العروض المسرحية المبتذلة، والحرص على ترويج المسرح الجاد، وذلك بالابتعاد عن ثقافة الجسد والجنس، والتي تعتبر عوامل هدم وخلخلة للثقافات، وقد تحولت إلى ثقافة لا تنتمي إلى شعب معين، وكل همها البحث عن الفائدة والربح السريع.
* السعي نحو تقديم مسرح جاد لا يختلف على أي حال عن العروض التي تقدمها دور المسارح العالمية التي تهتم بالقيمة الفنية للعمل الفني قبل العائد المالي. وتعتمد على المتعة الراقية والابتكار والتجديد, في الشكل والمضمون إلى الحد الذي يتحول فيه العرض المسرحي ذاته إلى لغة قائمة بذاتها تعجز اللغة المنطوقة عن مجاراة سحرها وبلاغتها.
* ترويج المنتج المسرحي العماني خليجيا وعربيا، وذلك عن طريق التعاقد مع إحدى المحطات التليفزيونية العمانية الخاصة للإعلان عن هذه الفرق والتعريف بأعمالها المرتقبة وكذلك استخدام بقية وسائل الإعلام الأخرى لتحقيق نفس الهدف. وهذا بدوره سيسهم في زيادة الطلب على مبيعات شباك التذاكر ويوجد نوعا من المنافسة بينها. شريطة أن يتم انتقاء الأعمال الجيدة، والابتعاد عن العرض المسرحي الرخيص الذي يخلو من المضامين السطحية.

* الشروع في تأسيس مديريرية أو جهاز إداري يعنى بالشأن المسرحي الثقافي الشبابي في السلطنة، بهدف التنويع في القنوات المسرحية، وهذا ستيح للشباب المسرحيين فرص أكبر للمشاركة المحلية والخارجية. فتعدد القنوات الفنية تجعل هناك نوع من المنافسة وظهور الطاقات الشبابية الجديدة. بالطبع هذا سيتيح الوقوف على التحديات التي تواجه هذه الشريحة العمرية.
* معالجة ضعف الإمكانيات المادية لدى الفرق الأهلية للمسارح، وقد بدأت الجهة الراعية للمسرح في دراسة إمكانية إمداد هذه الفرق بالدعم المادي، الأمر الذي من شأنه أن يسنعش النشاط المسرحي لهذه الفرق المسرحية، نظرا لافتقاد القاعدة الجماهيرية، الأمر الذي إن وجدت سيوفر دخلا ثابتا لها، يساعدها على استمرارية الحركة المسرحية . كما يفترض إيجاد حل للإشكالية، وجود دار للعرض المسرحي، وذلك لمحدودية الدور، وخاصة عند إقامة الفعاليات والمهرجانات المسرحية والاستعداد لها. حيث يمكن تجهيز دور عرض مسرحية في الولايات والمحافظات، يمكن أن تقدم فيها الأنشطة المسرحية، بشكل يقلل من الضغط على دور العرض الموجودة في العاصمة، مما سيوفر الوقت والجهد في آن واحد.
* تشجيع المرأة الفنانة على ممارسة العمل المسرحي الجاد الذي يخدم المجتمع العماني، الأمر الذي من شأنه أن يساعد على دفع عجلة التنمية في البلاد، فالفن لا يمكن فصله عن بقية قطاعات الحياة، لذا فالمرأة العمانية هي رمز من رموز المسرح العماني، ويجب الاهتمام به، ومحاولة تصحيح نظرة المجتمع إليه ما أمكن ذلك. وبالطبع لن يحدث ذلك إلا بتأسيس لبنة ثقافية مسرحية تراكمية، تفرض أهمية الاهتمام بالفنون والسعي نحو الرقي بها.
* تنظيم الحلقات التدريبية في مجالات المسرح المختلفة، لأعضاء الفرق المسرحية والهواة، مما سيمكن هؤلاء من اكتساب الخبرة والتأهيل الأكاديمي في آن واحد. إلى جانب إلى ذلك، إقامة الندوات والمحاضرات التي تطرح قضايا المسرح وتناقش التحديات التي تواجه المسرح العماني بجميع قطاعاته.

- ضرورة توفير مكان مناسب داخل المدارس لممارسة النشاط المسرحي وتوفير الأدوات والإمكانيات اللازمة من أجهزة صوتية وإضاءة وغيرها. نظرا، لأهمية المسرح المدرسي لكونه يقوم باكتشاف مواهب التلاميذ في المجالات المختلفة في الإلقاء والإعداد وتصميم الديكورات والملابس وغيرها من الأدوار الجيدة التي تثري شخصية الطالب والطالبة.
- أهمية وجود أخصائي نشاط مسرحي في كل مدرسة، متمكن ونشط يستطيع اكتشاف مواهب الطلاب وتوظيف مهاراتهم من خلال هذا النشاط، بالإضافة إلى تعاون جميع أعضاء المدرسة مع مشرف النشاط لمنحه الوقت الكافي للطلبة المشاركين في هذا النشاط، وتكريم المتفوقين والمبدعين في مجال الكتابة والإبداع والتمثيل وأداء الأدوار .


- إعادة عرض التجارب المسرحية الجيدة في عدد من المدارس في الولايات والمحافظات للاستفادة من تجربة العروض المقدمة، مع وضع الحوافز الكفيلة التي تضمن الإسهام في هذا النشاط واستمراره بشكل أساسي في صميم المنهج وليس خارجا عنه(19).
- ضرورة إبداء الدعم المالي للإنتاج المسرحي بما يتناسب مع حجمه، و أن تكون في المدرسة قاعة مسرح مجهزة بجميع إمكانيات العمل، والمساعدة في الاشتراك بمختلف المهرجانات المسرحية، وهذا بدوره سينعش الحركة المسرحية الطلابية، كركيزة لانطلاقة أعمال فنية محترفة مستقبلا.
- التنويع في انتقاء الموضوعات المفيدة والمفهومة وتشجيع الكتابة المسرحية في المدرسة والإعداد المسرحي ومسرحة المناهج، و الإعلان عن تشكيل الفرق المسرحية ودعوة الطلبة للانضمام إليها (20).

حاولت الباحثة أن تقدم في هذه الورقة الثوابت الأساسية التي يمكن أن تتركز عليها الحركة المسرحية العمانية- من وجهة نظرها- بغية عقد مصالحة بين حاضر ومستقبل المسرح العماني، ولكن كيف يمكن توقع مستقبل الحركة المسرحية في السلطنة، في حين يوجد خلل واضح في مفهوم المسرح لدى المجتمع؟ ومما لا شك فيه، إن إيجاد بيئة مسرحية حية، تسعى للارتقاء بالمسرح، سيحيل دون الوقوع في براثن العروض التجارية الاستهلاكية أو التلقي السلبي الناتج من خلال الفضائيات غير الهادفة، ويكون صورة ذهنية إيجابية عن المسرح. وعلى غرار ذلك، كان لزاما إيجاد مناخ ملائم لازدهار الحركة المسرحية العمانية. وذلك عن طريق توسيع قاعدة المسرح، لابد من فرضية وجود قاعدة جماهيرية عريضة له، وليس للنخبة المختصة. وبالرغم من التراكم الزمني لعمر المسرح العماني، والذي يزيد عمره على خمسة وثلاثين عاما، إلا أنه لا يوجد شباك تذاكر إلى الآن! وخير برهان ذلك، أن عامة الجمهور يفضلون شراء تذكرة لفنان طربي مفضل لديهم، حتى ولو كلفهم ذلك عشرات الريالات، في حين، نجدهم لا يرحبون بالذهاب إلى خشبة المسرح لمشاهدة عرض مسرحي محلي، بمبلغ رمزي، يكاد لا يقارن بالآخر! وليست الشعوب الخليجية الوحيدة التي تفتقر إلى الثقافة المسرحية التراكمية- التي تجعل الفرد أو الأسرة يقومون بشراء تذكرة لمشاهدة عرض مسرحي جاد في نهاية الأسبوع - وإنما الوطن العربي بشكل عام يعاني من تدني مبيعات التذاكر للعروض المسرحية. ولكن تظل مستويات الإقبال معقولة في بعض الدول مثل مصر وسوريا. لا مستقبل بدون تأسيس قاعدة صحيحة لانطلاقة المسرح العماني، تمكنه من التطلع لمستقبل فني أفضل. ومن هنا تأتي أهمية الكيانات المسرحية الأهلية التي تمثل النواة التي تحتضن الهواة من الشباب، إذ لا بد من مساندة المختصين في الشأن المسرحي لهم، لتقديم التوجيه والعمل يدا بيد لتقديم منظومة مسرحية عمانية، تزخر بالأعمال الحرة والأهلية وتناقش قضايا المجتمع. وفي نفس الوقت، يأتي الاهتمام بالمسرح المدرسي، في قائمة الأوليات لكونه يشكل بذرة أساسية مهمة في التأسيس المسرحي، عن طريق إيجاد جيل يتفهم رسالة المسرح الجادة، مما يمكنه من تقديم قضاياه المعاصرة أو يستلهم من تاريخه وتراثه الأعمال المسرحية الجيدة، فيجمع بين الأصالة والمعاصرة. ويمكن القول، بأن هناك تطورا ملحوظا حصل فـي التجربة المسرحية، وهو يبشر بالخير على مستوى الجوائز في دول الخليج العربي، حيث نجد المسارح الأهلية ومسارح الشباب، تتصدر قائمة فرق مجلس التعاون فـي المهرجانات والملتقيات المسرحية وتحصد جوائز عديدة كانت صعبة المنال في الماضي.
وتبقى جدلية وجود مسرح عماني قادر على مجابهة العقبات التي تحول دون وجود تراكم مسرحي عماني، يمكنه أن يقف في وجه طوفان العولمة الثقافية القادمة إلينا من الخارج، جدلية قائمة وتحتاج إلى بذل مزيد من الجهود الطيبة من الجهات الحكومية والقطاعات الأهلية والفنانين أنفسم . ولن يكون ذلك، إلا عن طريق غربلة العديد من الأطر، وإعادة تشكيلها مستقبلا، لتكون قريبة من أحلامنا التي نأمل أن تحقق بوجود مسرح عماني، ينطلق من ثوابت أصيلة ويعبر عن مجتمعه.  


 

الخلاصة

* نظرا لأهمية المسرح المدرسي في التأسيس لثقافة المسرحية لدى الأجيال الناشئة، هذه مجموعة من المقترحات كالتالي:

ثانيا: الفرق المسرحية الأهلية



No comments:

Post a Comment