Monday, July 4, 2011

التجريب في المسرح الاوزباكستاني

    يصف البعض (التجريب المسرحي ) بأنه الخروج عن
الأنماط التقليدية، وهو شكل من أشكال الحداثة التي تسعى إلى  تحويل النمطي والثابت في المسرح إلى إبداع فني جديد. وكانت بدايات هذا الاتجاه في أواخر ستينيات القرن الماضي من خلال  التجارب المسرحية التي تعتمد علي التوليف المسرحي ومخاطبة العواطف الإنسانية لدى الجمهور. حيث برز البولندي جروتوفسكي رائدًا في معمله المسرحي، كما ظهرت تجارب عديدة للمخرجة السويدية الكوركراف برجيتا اجربلاد واوجست سترندبري وانطوان تشيخوف ..وغيرهم.

       وفي العرض الاوزبكستاني (المعطف العظيم)  الذي قدمته فرقة مسرح الدراما الغنائية (همزة)  الذي هو من  تأليف (اكروروفا)، حرص المخرج   (اريفجانوف توجونالي) على استغلال الفضاء المسرحي  بغية صنع " رؤية بصرية" استثنائية ركزت على السينوغرافيا، في حين تخلص العرض من النص، والذي تحول إلى لغة بصرية اعتمدت على الحركة والإيقاع والموسيقى والمؤثرات الصوتية والموسيقية. 

ويتحدث العرض عن (أكاكي أو اكاكيفيفتش باشماشيكن)  وهو موظف بسيط  يعمل  في إحدى المؤسسات الحكومية في العاصمة الروسية (بيتر سبيرج)، يسعى إلى  بذل قصارى جهده من أجل تحسين مستواه المعيشي، ورغم ذلك كان يتعرض للسخرية من زملاءه، بسبب تمسكه برداءة القديم الممزق. إلى أنه في النهاية  يضطر لشراء معطفًا جديدًا، بعد أن يستمع  إلى نصيحة الخياط " بتروفيش" ويتخلص  من معطفه القديم بآخر جديد.

وعلى الرغم من بساطة القصة التي تضمنها عرض (المعطف العظيم)، والذي حرص على التخلص من الكثير من التفاصيل الروائية الطويلة المأخوذة عن رواية  "المعطف" لجوجول، واختزال مضمونه، والابتعاد قدر الإمكان عن الفعل الجماعي، بغية تشكيل رؤية فردية، تركز على الفعل المسرحي القائم على الاستعراض الجسدي الذي يعبر عن  معاناة بطله، والذي  كان يمر بالكثير من الأزمات المالية،  التي كبلت حياته وجعلته يعيش كالسجين الذي ينشد الحرية المرتبطة بمعطفه العظيم الذي ظل يلازمه مدة العرض.

 ولقد تمتع الممثل الذي قام بدور (أكاكي)  بقدرات أدائية عالية مكنته من  توطيد علاقته بالجمهور، بعد أن اخترق  صالة المشاهدين بغية جذب انتباههم،  وكان يرتدي معطفا طويلا ابيض اللون،  ولم يكن المعطف مجرد رداء فحسب، وإنما يعتبر أداة أساسية في تحول الشخصية وتغير أدوارها  حسب الموقف . 

وفي الغالب يقوم المخرج في العروض التجريبية بتوظيف تقنياته الفنية، بغية معرفة ردود أفعاله تجاه القضايا التي تواجهها الشخصيات، كما تصبح مهمة السينوغرافي  هي الإخراج التفسيري، وأحيانا يغدو هو مؤلف العرض المسرحي أيضا. سعى المخرج (توجونالي) في هذا العرض على  تعرية الخشبة، باستثناء بعض الرموز والإيقونات التي أكدت معاناة  البطل من خلال إعطاء الشخصية المحورية مساحة  أكبر، مع استثمار المساحة المتبقية، بغية تأكيد الموضوع من خلال قطع الديكور الموجودة على يمين ويسار خشبة المسرح .

ولقد استغل المخرج وسط  خشبة المسرح  في تجسيد  المواقف الحاسمة  التي  كانت تمر بها شخصية العرض، حيث كان يخوض تجربة ضارية من أجل كسر القيود التي  كانت تحد من حريته، ورمزت  صورة (العنكبوب) الموجودة في أعلى خشبة المسرح إلى معاناة  أكاكي  ، وكانت ألوان خيوطها تتغير حسب المواقف التي يمر بها بطل العرض.
كما برزت إمكانيات المخرج (توجونالي) في شحن المواقف الإنسانية من خلال توظيف المؤثرات الصوتية والموسيقية مثل الرياح والمطر .. وتماثلت تلك المؤثرات مع  مقاطع الموسيقى العالمية التي لامست هموم وأحلام بطل العرض، الذي ظل يقوم  بحركات  استعراضية طيلة العرض، وكان نفسيته قابلة للتحول والتغير، بغية معايشة الدور  والتواصل مع المشاهد، الذي استمتع بالحركة والتعبير أكثر من الحوار .

قصارى القول:  إن هذه النوعية من العروض المسرحية تحتاج  إلى مخرج استثنائي ياستهويه  التجريب ويبتعد عن القواعد الثابتة، ليتفرد برؤية إخراجية حرة. ولقد  بذل  المخرج (توجونالي)  في هذا العرض جهدًا كبيرًا، بغية التركيز على المشاهد اللحظية التي ترتبط بآلية العرض.

ومما لاشك فيه، بأن العرض أن عبر عن معاناة بطله، والذي تماثل للشفاء بعد أن استبدل رداءه القديم برداء آخر، استطاع أن يطوي من خلاله الماضي التي  لازمه طيلة عمله كناسخ ورق لا يمتلك سوى معطف واحد، فهل يا ترى كانت مشكلة (أكاكي) في معطفه البالي أم انعدام حريته أم ضياع حقوقه  في المؤسسة التي يعمل بها؟!





No comments:

Post a Comment