Wednesday, July 20, 2011

أحدب نوتردام من الرواية إلى العرض المسرحي

    كثيرا ما نتابع أفلام  سينمائية و تلفزيونية ، لنكتشف  في النهاية  بأنها  عبارة عن تأليف روائي وحول  إلى  عمل فني. وهناك شروط ومواصفات معينة،  يلمسها العاملين في مجال الفن عندما يودون  التعامل مع الرواية.  ولعل أهمها أن يعتمل  النص بروح الدراما،  مفجرًا كثير من القضايا التي تهم المشاهد وتصلح لتقديمها له. وفي رواية الفرنسي فيكتور هيغو (أحدب نوتردام) استطاع كاتب البؤساء أن يجمع الجمال والقبح، بغية تحقيق نوع من المتعة الجمالية للجمهور....وتعتمد هذه الرواية على الجمع بيت التضاد، وهذا ما جعل المخرج المصري محمد علام،  يتبنى  إخراج (أحدب نوتردام) الذي قدمه البيت الفني المصري لفرقة الطليعة المصرية.
 
عكس عرض (أحدب نوتردام)  التضاد الجدلي بين الحق والعدالة، الضعف والقوة، القبح والجمال، وذلك من خلال تجربة إخراجية ركزت على  استغلال ذلك التناقض لإبداع دراما حية، تفاعلت مع (الرؤية الفلسفية)  للكاتب هيغو، التي ركزت  على الصراع الجدلي بين القساوسة وسيطرة الكنيسة على الشعب.  وكان  ذلك عاملاً مهمًا في صنع (سينوغرافيا اسطورية) نبضت بحس القرون الوسطى، حيث الكنيسة والمعمار الظاهر على الخشبة والأزياء التي ارتدتها الشخصيات.
    برزت شخصية(كوازيمودو) الأحدب كشخصية أساسية في هذا العرض، اعتمد الكاتب عليها في تحريك الأحداث الدرامية  من خلال الجمع بين التناقض الذي تعيشه الشخصيات، فهو بطل تراجيدي استطاع أن يجمع بين جمال الخير وقبح المظهر!... إلى جانب ذلك، فقد تمتعت شخصية الأحدب بصفات جعلت المشاهد يتابعها بشغف، رغم أنها  شخصية بشعة المظهر؛ فهو قصير أحدب، نشأ في كنف الكنيسة، وكان يقوم  برعايته كلود فرولو القس في كنيسة (نوتردام) بباريس، وأصبح قارعًا للأجراس في الكنيسة بعد ذلك .  
       ولقد تطورت شخصية الأحدب(كوازيمودو)  ليصبح قائدًا لمجموعة البؤساء، الذين التفوا حوله وأصبح زعيمهم، وسعى إلى تكوين مملكة المنبوذين، رغم  جحود رجال الدين له، وسعيهم إلى تكريس فكرة  الأحدب المسخ  المنبوذ  بغية أبعاده عن الناس.  ولعل هذا  جعله يفضل العمل في الكنيسة، بعيدًا عن أنظار الناس لكي لا يرعبهم بمظهره. وتتفاقم معاناة الأحدب عندما يتعلق بفتاة غجرية تدعى (أزميرالدا)، ويسعى إلى خلاصها عندما حاول  القسيس الاعتداء عليها. ويعيش الأحدب الكثير من المغامرات، فهو يتعرض للإساءة دائما  من قبل رجال الكنيسة والذين كانوا يمثلون السلُطة التنفيذية في العصور الوسطى،  وفي النهاية يحاكم و تكون نهايته المأساوية التعذيب والموت .
وهكذا يتضح بأننا أمام عمل فني سعى إلى زرع بذور الصراع التي عايشها بطل العرض (الأحدب) بغية مواجهة الآخر .كما يوضح العرض  إظهار الصورة البشعة لرجال الدين في تلك الفترة، بغية تعزيز فكرة الراهب على زرع الوهم في نفوس الناس، من خلال تشويه صورة المسخ، وجعله مثارًا للشفقة رغم أعماله الخيرة، وإنقاذه للفتاة التي يرى القسيس بأنها أصبحت رمزًا للفساد بين عامة الشعب.
جسدت  المناظر أجزاء  من الكنيسة الكاتدرائية التي شكلت الرؤية البصرية للعرض، بما فيه من ملابس و طبول وأضواء جعلته أقرب إلى الأفلام السينمائية التاريخية، التي رصدت  حقبة زمنية مهمة في تاريخ اوروبا تمثل تزايد سلطة الكنيسة في القرون الوسطى...كما أن أظهرت  الخشبة دلالات ومعاني سعت إلى توحيد الخشبة، مثل الأزياء السوداء والطبول والأضواء.
وعلى مستوى الإخراج استطاع العرض أن يرصد حقبة زمنية بطريقة مسرحية، كثفت الفعل الدرامي، ونأت عن تفاصيل الرواية التاريخية، فقد ارتقت بالأداء التمثيلي، حيث برزت شخصيات على مستوى عالٍ من الأداء، وخاصة الشخصية التي قامت بدور الأحدب ...وبقية الشخصيات رغم مضمونها التاريخي، إلا أنها تشكل الواقع الإنساني الذي في الأغلب يصطدم بقيود السلُطة والنظم الاجتماعية التي فرضها المجتمع عليه. كما ساعدت الموسيقى الكلاسيكية  المستخدمة في رفع إيقاع العمل، فيما عززت الإضاءة  المواقف المؤثرة، وساهمت أيضا في إبراز الكورس الذي كان يتشكل حسب الموقف الدرامي..مما جعل العرض يتمتع برؤية إخراجية لامست روح القرون الوسطى، وجسدت رائعة الكاتب الكبير فيكتور هيجو في أحلك عصور أوروبا.

No comments:

Post a Comment